صحيفة المشهد الإخبارية
تشكل القرى الطينية في منطقة نجران ملمحاً بارزاً وطرازاً معمارياً فريداً، تعطي لزائر المنطقة صورة فاتنة غير معتادة، فسلسلة القصور التاريخية بجانب المباني الحديثة وأمام الشوارع والأرصفة، تمزج بين الأصالة والتراث من جهة، والحاضر المشرق من جهة أخرى. وعلى ضفتي وادي نجران الشهير والعريق تنتشر حوالي 33 قرية طينية،تبدأ من “زور وداعة” القريب من سد نجران، حتى “رجلا” الجنوبية، إلى قرية “آل منجم” من الجهة الشمالية، متراصّةً في قلوب الأحياء التي تشكل مربعات نجران اليوم ومخططاتها، حيث بادر مُلّاك القرى التراثية في منطقة نجران بترميم مبانيها كبادرة وطنية ذاتية نابعة من وعيهم بأهمية الإرث التاريخي الوطني وأهمية المحافظة عليه بوصفه هوية وتاريخ، وتأصيلهم لماضي ارتبط بآبائهم تحمل بين لبناتها كثيراً من الروايات عن ابن المنطقة . وتشتمل كل قرية تراثية على العديد من المباني المختلفة في المسميات وفي الشكل وطريقة البناء، ويمثل كل واحد منها مشهداً على الإبداع والرؤى الفنية والمزاج الجمالي، حيث تظهر عناصر الفن والتميز والأصالة في شتى تفاصيل البناء، كالزوايا المائلة والتوسع وقرب السقف في مبنى (المشولق) الذي يتكون من طابقين إلى ثلاثة وتطل جميع غرفه على المدخل الرئيسي للقرية. أما (المربع) و(القصبة) فتبنى بشكل دائري، وتكون القاعدة كبيرة، وتضيق الدائرة كلما ارتفع للأعلى ويتواجد المبنى بالعادة في زوايا القرية للحماية، فيما يتكون مبنى (المقدم) من ثلاثة طوابق وفناء، ويستخدم الطابق الأرضي منه كمجلس وغرف لتخزين الأغذية والأدوات . وتستخدم العديد من المواد الأولية في البناء كالطين وجذوع وسعف النخيل، وشجر الأثل، إضافة إلى خشب السدر في صناعة الأبواب والنوافذ. ومن القرى الطينية الشهيرة في منطقة نجران ” قرية القابل ” المتميزة باحتفاظها على العديد من البيوت الطينية القديمة ” الدروب ” الكبيرة ذات الطوابق الكثيرة، التي تتسم بالدقة في التصميم المعماري الفريد وتعكس الهوية التاريخية والتراث العمراني للمنطقة بشكل واضح وجلي حيث تتجاور مع العمارات والفلل الحديثة الأنيقة وبينهما تتسامى أشجار النخيل، والعديد من المزارع الخضراء، حيث تتمركز مباني وقصور قرية القابل حول الآبار القديمة التي كانت تنتشر بالقرية، بداية من حدودها الشرقية المحاذية لمزارع ” الحصين ” ووصولا لـ ” بئر سلوى ” في الجهة الغربية، فيما يحدها من الجنوب حي ” الحمر “، وتمتد من موقع الأخدود الأثري وصولاً لضفاف وادي نجران في الجهة الشمالية، ومن هذه الآبار بئر اليتيمة وبئر نعمان وبئر كعب وبئر مخضة، وبئر رقيبة، وبئر الزجاج وبئر عتيق وغيرها من الآبار الأخرى التي ما زالت تسمى المواقع والمزارع والأحياء بأسمائها حتى يومنا الحاضر في قرية القابل. ومن القرى أيضاً، قرية ” آل منجم التراثية “، التي يعود تاريخها إلى 260 سنة، وكانت تشكل بوابة لنجران من الجهة الشرقية، وتشمل سبعة بيوت طينية محاطة بسور ، وتطل على العديد من المزارع المنبسطة على ضفاف وادي نجران، وخوفا من ضياعها واندثارها قام المجتمع المحلي المعني بها بإعادة ترميم المتهالك منها، والاهتمام بأعمال النظافة والتحجير وإضافة الممرات للزوار. ومن عمليات الترميم للقصور الشهيرة في المنطقة، ما قام به الأهالي تجاه كل من قصر “سعدان”، وقصر “آل سدران”، حيث يعود بناء “قصر سعدان” أو كما يسميه آخرون “قصر العان” بسبب بنائه في موقع العان الشهير، إلى عام 1100هـ على أساسات من الحجر، ويتكون من أربعة طوابق على طراز بناء مميز وكأنه يعكس طباع وهوية المجتمع النجراني وقيمه أثناء القرون الماضية، في حين أن قصر “آل سدران” الذي يقدر عمره بأكثر من 180 عاما، تم ترميمه عام 1427هـ بطريقة تحافظ على شكله وغرفه وممراته وطوابقه السبعة التي جعلته شامخاً وعالياً في وسط حي آل سدران الواقع على شارع الأمير نايف بن عبدالعزيز، فيستطيع العابر على الحي من الخارج أن يرى القصر الطيني بوضوح وهو شامخاً بزخرفته البيضاء التي تزّين قمته، وقد كانت تجربة ترميمه التي قام بها ملّاك القصر من أهل نجران ملهمة للعديد من الملّاك الآخرين الذين اتخذوا ذات الطريقة في ترميم قصور الطين وبيوت القرى التراثية في المنطقة.
ومن القرى الطينية والتراثية المترامية على ضفاف وادي نجران بمدينة نجران، أيضاً، قرية المشكاة، وقرية صاغر، وقرية عكام، وقرية العوكلة، وقرية الشبهان، وقرية طعزة، وقرية دحضة، وقرية أبو غبار، وقرية زور آل الحارث، وقرية زور العماري، وقرية سلوى، وقرية الموفجة، وقرية الحضن، وقرية الجربة، وقرية رجلا، وقرية المراطة، وغيرها الكثير من القرى التي يلاحظ المتابع لتسميات أحياء من القرى التي تضم بمجملها أكثر من 230 من بيوت الطين . كما تضم المحافظات التابعة لمنطقة نجران حوالي 50 قرية تراثية، منها قرية الجفة، وقرية الحرشف، وقرية حبونا، وقرية بني هميم، وقرية السبت، وقرية المنتشر، وقرية هدادة، وقرية المجمع، وقرى فرع الجبل، وقرية بدر القديمة، وغيرها الكثير من القرى المترامية في عموم المحافظات الشمالية. وأوضح مدير عام الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بمنطقة نجران صالح محمد آل مريح، أن أهالي منطقة نجران قاموا خلال السنوات الماضية بعمل ملفت على مستوى مناطق المملكة فيما يخص المحافظة على القرى التراثية وبيوت الطين، حيث التزموا بترميم وتهيئة القرى التراثية الطينية المعروفة بكثرتها وتعدد خصائصها الفنية والمعمارية، واستطاعوا أن يحققوا رقماً قياسياً في عدد القرى والقصور التراثية، لما تمثله من أصالة وثقافة وهوية لمناطق وأقاليم بلادنا الغالية، مقدماً شكره الجزيل لأهالي المنطقة من ملاّك القرى والبيوتات الطينية، الذين قاموا بترميمها وتولي مشروعات المحافظة عليها ونظافتها. وأكد أن هيئة السياحة والتراث الوطني تقدم جهوداً كبيرة ومتعددة مع شركائها الاستراتيجيين في القطاعين الحكومي والخاص للمحافظة على التراث العمراني الوطني في مختلف مناطق المملكة ومنها منطقة نجران، كما تعمل على التواصل مع أصحابها لإعادة تأهيلها والاستفادة منها في إبراز الهوية الثقافية والتاريخية للمنطقة، ومن ثم امدادها بالخدمات من طرق وسفلته وإنارة وأرصفة من خلال الشركاء الحكوميين الذي يشكلون مع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني فريقاً واحداً ومتعاوناً وحريصاً على الحفاظ والاهتمام بهذه القرى وتسهيل الوصول إليها. وبيّن آل مريح أن النجاح في ترميم كل هذه القرى والبيوت الطينية في شتى الأماكن بمنطقة نجران والمحافظات التابعة لها جاءت وفق توجهات صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد، أمير منطقة نجران رئيس مجلس التنمية السياحية، في إحياء تراث المنطقة وهويتها المعمارية الأصيلة، والدعم الدؤوب والمتواصل من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، لمختلف المشروعات التي تحافظ على القرى التراثية وإحيائها وجعلها مزارات سياحية تمثّل في مجملها ثقافة وطنية.