عن الكاتب

كان منهمكما في عملة الجديد في أحد المستشفيان الخاصة والذي لم يمض على التحاقه به سوى أشهر معدودة بعد طول انتظار فاق الخمس سنوات. حين استقبل مكالمة على جواله من أحد الأشخاص بأن عليه أن يقوم بتحديث طلبه في التعيين على برنامج تأهيل خريجي الدبلومات الصحية لأن هناك دفعة جديدة من التعيينات ولا بد أن يحدث ملفه بأسرع وقت ممكن.

استبشر خيرا وتوجه الى كمبيوتره ليقوم بالتحديث المطلوب الا ان عبارة في الشروط المطلوبة اوقفته قليلا كي يعرف ما يقصد بها. كانت تنص على “أن لا يكون المتقدم يعمل في وظيفة على نظام الخدمة المدنية أو التشغيل الذاتي في قطاع صحي خاص.” تساءل كثيرا هل أنا من المقصودين بهذه العبارة؟ ولأن بعض المصطلحات الرسمية لدينا لا يفك لغزها الا (بعض) الراسخون في العلم تواصل بالفعل مع الوزارة وأفادوه بأن عليه أن يترك عمله لأن المقصود بالشرط هو ان لا تكون مسجل في التأمينات الاجتماعية. مما يعني وبكل بساطة أن تكون “عاطلا عن العمل”.

أغلق جواله وهو لا يعرف هل يقبل ام يرفض هذه الفرصة؟ فإن قبل بها فعليه أن يقبل أيضا المخاطرة بالعودة بعائلته الى الوضع المالي الصعب الذي عاشه طوال الفترة الماضية بدون راتب والى فترة غير معلومة. وإذا رفضها فعليه أن يضحي بفرصته في الحصول على الوظيفة الحكومية التي طالما حلم بها.

استشار ثم استشار وكان كل مرة يميل مع فكرة أن يتوكل على الله ويستقيل من عمله؛ فهو يرى نفسه مؤهلا للترشح. وأخذ يحلم ببداية حياة مستقرة من جديد وخصوصا أن أوراقه مكتملة ومن خريجي الدفعات السابقة والمفترض ان يحصل على فرصه أكبر في التعيين قبل أي موظف حديث التخرج.

وبالفعل قدم استقالته! ولأنه مجتهد في عمله عرضوا عليه ان يبقى على رأس العمل حتى يتم تعيينه رسميا ثم يقدم استقالته فأخبرهم أن هذا هو المنطق! وكان سيفعله لولا وجود ذلك الشرط الذي يجبره على أن يكون “عاطلا”. وعندما سمع الجميع بأن هذا الشرط الغريب أحد متطلبات التقديم لم يستطع أحد أن يلومه أو يعتقد بأنه أتخذ خطوة مجنونة.

انتظر فترة ربما الشهرين قبل أن يسمع بأن النتائج ستظهر غدا؛ لم يغمض له جفن! وأخذ يكلم كل من يعرف بأن الخبر السار قادم غدا ان شاء الله ويطلب منهم الدعوات له بالتوفيق حتى طفله الصغير أخذ يحتضنه ويطلب منه ان يدعوا له والذي رد عليه بعفوية الطفولة “وتشتري لي لعبه”، ضحك ووعده بتلك اللعبة. في الصباح الباكر اخذ كمبيوتره ليرسل استفسار عن النتيجة ربما كل دقيقة وهو يعتقد في قرارة نفسه انه يستفسر كل ساعة فلم يعد يشعر بالوقت من كثرة تلهفه على خبر يبشره بانتهاء ازماته المالية التي يعيشها بعد الاستقالة، ولكن ومع كل أسف صدمته عبارة “لم يتم ترشيحك نتمنى لك التوفيق”! أخذ يصرخ بداخله وكان يتمنى ان يستطيع ان يرفع صوته او يجد من يبرر له. كيف؟ وهو يرى عدد كبير من الطلاب المتخرجين بعده تم قبولهم. كيف؟ وهو من أجبر على ترك عمل كان يقوته وعائلته. دون أن يجد أي جواب!

عاد الى بيته يجر ثوب الفشل بكل ما تعنى هذه الكلمة من معنى! بسبب شرط أجبره وكل من يرغب في التقدم على “برنامج تأهيل خريجي الدبلومات الصحية” أن يضع نفسه وعائلته في مخاطرة غير مضمونة النتائج. رن جواله وإذا بطفله يذكره بأن لا ينسى لعبته التي وعده بها عندما يتم تعيينه؛ كانت هذه المكالمة – رصاصة الرحمة – على كل قدرة كان يمتلكها ليقنع نفسه وغيره بأنه ليس من اختار لنفسه هذا الموقف؛ ولكن كيف يشرح ذلك لطفله؟ وقف على جانب الطريق وأجهش بالبكاء لإحساسه بأن أحدا ما قد أحرجه دون أن يقصد، ولكنه وضع شرط لم يقدر نتائجه على بعض المتقدمين وهو منهم.

 

م. حسين سالم آل سنان

“نجران نيوز”

14-1-2017

شارك هذا المقال

آخر الأخبار

مصر.. سائق “أوبر” المتهم في قضية “فتاة الشروق” يعترف بتفاصيل الواقعة

الأربعاء, 27 مارس, 2024

“التجارة”: استدعاء 6 منشآت تجارية لتنظيمها مسابقات مخالفة جوائزها طائرات خاصة و”نياق” وفيلا سكنية وسيارات وأطقم ذهب

الثلاثاء, 26 مارس, 2024

وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تعلن عن دخول المرحلة الثانية من قرار توطين مهن الخدمات الاستشارية حيز التنفيذ

الثلاثاء, 26 مارس, 2024

“التأمينات الاجتماعية”: انخفاض إصابات العمل بنسبة 8.5% خلال العام 2023م

الثلاثاء, 26 مارس, 2024

مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يستعرض المؤشرات الاقتصادية المحلية والدولية

الثلاثاء, 26 مارس, 2024

ألبوم الصور

كتاب الرأي

مقالات أخرى للكاتب

[fusion_widget type="CRP_Widget" margin_top="" margin_right="" margin_bottom="" margin_left="" hide_on_mobile="small-visibility,medium-visibility,large-visibility" fusion_display_title="no" fusion_border_size="0" fusion_border_style="solid" fusion_align="center" fusion_align_mobile="center" fusion_bg_color="var(--awb-color1)" crp_widget__limit="5" crp_widget__post_thumb_op="text_only" fusion_padding_color="-20px" /]

3 Comments

  1. حسين اليامي يناير 14, 2017 في 10:48 م - الرد

    في الصميم وشكرا ابوسالم

  2. عليان بن صالح ال عباس. يناير 14, 2017 في 11:32 م - الرد

    الله يعوض على صاحبك يا أستاذ حسين.

    لو كنت مكانه لعملت بالحكمة التي أقحموها إلى عقلي ضغيرا كي لا أغامر.
    عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة.

    شرط غريب. و الأغرب منه عندما تحاول تحليله.

    أن كانت الوظيفة مظمونة مئة في المئة فلا بأس أما أن أضع نفس في مهب الريح مفتوح العينين عاري الرأس فتلك حماقة بعينها.

  3. حمد بن عرقل يناير 15, 2017 في 6:56 ص - الرد

    كثير تورطو ابو سالم من الشباب لفته طيبه منك لاانصاف ابناءنا الله يكتب لهم اللي فيه الخير

اضف تعليقاً إلغاء الرد