عن الكاتب

فتحت عملية الإنقلاب التي قام بها الجيش التركي على الحكومة الشرعية الممثلة في الرئيس أردوغان،  شهية المنظريين والمدونيين ومستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي في عالمنا العربي للتعبير عن مدى إعجابهم بالقائد أردوغان أو السلطان أردوغان كما يحلو للبعض، وفي الوقت نفسة تصفية حسابات قديمة حديثة مع شخصيات إعتبارية وكيانات رسمية عربية،  بل أنه خاض غمار الموضوع من هبّ ودبّ حتى أولئك الذين يعتقدون أن تركيا “دولة عربية” !!

 
فالغالبية من شعبنا العربي لا يزال حتى اللحظة يتغنى بالانتصار الأوردوغاني والذي كان وبلا شك مستحقا وردّة فعل متوقعة من الشعب التركي، كيف لا وأردوغان حقق للأمة التركية في عشر سنوات ما عجز غيرة من القادة عن تحقيقه في عشرات السنين قضاها في سدة الحكم؛ وما نتائج الإنتخابات التركية السابقة عنّا ببعيد، والتي أكتسحها الرئيس أردوغان وحزبه العدالة والتنمية بتصويت غالبية الشعب التركي، والتي تجعل عملية إفشال الإنقلاب العسكري في وقت قياسي أمرا طبيعيا.

 
أما الأقلية من أمة العرب والتي اختفت مع عودة الشرعية وفشل إنقلاب الجيش التركي، فقد خَفَت صوتها إما من هول الصدمة أو هربا من المواجهة غير العادلة مع الأكثرية الأوردوغانية في الوطن العربي، وتبرر هذه الفئة عملية إنقلاب الجيش التركي على أردوغان باستحياء في ضوء معطيات واضحة ومبررات مقنعة من وجهة نظرهم !!

 
إلى هنا والأمر طبيعي فالجميع يحق له التعبير عن رأيه في أي قضية متى شاء وكيفما شاء، فكلٌ حر في رأيه وفي وجهة النظر التي يتبناها، وفي الزاوية التي يرى منها، ولكن الأمر الغير طبيعي هو أن تعمل وفق مبدأ القطيع، وتكون للأسف مواطنا عربيا بإمتياز – عاطفيا وعلى نياته- ولا يتردد للحظة ما في تسيلم عقله لغيره، لأنه في كثير من الأحيان لا يفكر ولا يحب أن يجهد نفسه في البحث عن الحقيقة من مصادرها المتعددة، بل يركن فقط لمصدره الوحيد المقدس الذي لا يأتيه الباطل، ولا يحاول ولو لمرة واحدة أن يُعمل عقله ويخرج من الوصاية المفروضة عليه، فهناك دائما من يفكر عنه ويخطط له، وما دوره الإ ترديد ما يقولة ذلك الغير وتنفيذ ما يتبناه من أفكار … وهنا تكمن المشكلة!!!

 
فالجميع بالأمس القريب مارس حقة المشروع في التعبير عن رأية حول عملية إنقلاب بعض قيادات الجيش التركي على الرئيس أردوغان والشرعية في تركيا، سواء في المجالس المفتوحة أو في الإستراحات المغلقة أو على المنابر الإعلامية أو باستخدام وسائل التواصل الإجتماعي؛ وذلك حق مشروع للجميع ولا يستكثر عليهم حتى ولو كان البعض له رأيان احدهما معلن والآخر خفي؛ ولكن ماليس بحق هو إستغلال هذا الحدث الأهم حد الساعة في الإسقاط على جهة ما أو دولة ما أو قيادة ما، وخلط الأوراق ونسف الإيجابيات وتضخيم السلبيات والمبالغة في التعامل مع الحدث لدرجة أصبح فيها البعض…. تركيّا أكثر من الأتراك.

 
هذا ولا يعني تحليل ردة فعل الشارع العربي في هذا المقال على ما حدث وتعاطفهم القوي مع القائد اردوغان، أنني لا أحبه كشخص وكقائد مسلم، فأنا  وبكل صراحة من المعجبين كثيرا بالشخصية الأوردوغانية، وبفلسفته في الرئاسة والقيادة التي تقوم بقصد أو بغير قصد على أحد أهم نظريات القيادة الحديثة وتسمى “القيادة بالذكاء العاطفي” Emotional  Intelligence Leadership ، وأجد نفسي معجبا به أكثر وأكثرا فيما يتعلق بالشق الداخلي للرئاسته والإصلاحات الداخلية ورفع المستوى الإقتصادي لدولة تركيا، ولكن هذا الإعجاب ليس مطلقا ولا يصل إلى حد المبالغة، بل ليس بالدرجة التي تجعلنا لا نرى بعض أخطاء الرئيس أوردوغان، ومع أنها قليلة جدا ولكنها قاتلة وتصل لان يطلق على بعضها سقطات، وذلك على وجه الخصوص فيما يتعلق بالشق الخارجي للقيادة الأوردوغانية والتي يهدف منها خدمة الدولة التركية، في حين أنها تتعارض مع مصلحة الشعوب والدول العربية أحيانا ، ويكفي أن نذكر منها التطبيع الكامل للعلاقات مع إسرائيل قبل أيام، والتعامل مع إيران كدولة صديقة وحليفة، والتراجع المخجل في موقف تركيا من روسيا، والإعلان عن إمكانية إعادة العلاقات مع حكومة بشار، والتلميح للإعتراف بحقوق المثليين، هذا ولا ننسى إحتضان تركيا لعدد من قيادات الإخوان، وبعض مثيري الفتن كأوراق ضغط على بعض الدول عند الحاجة!!
نعم نبصم بالعشرة على ما حققه الرئيس المخلص لوطنه أردوغان من إنجازات لدولة تركيا الشقيقة وللشعب التركي الشقيق والذي يكفي منه فقط إيصال تركيا للمرتبة 17 في قائمة الدول المتقدمة في غضون 10 سنوات من رئاسته، وذلك يعطيه الحق في أن يكون قائدا تركيا عظيما بل سلطانا عثمانيا، لكن يجب أن لا ينسينا تميزه الداخلي بعض تخبطات سياسته الخارجية ويجعلنا نجحد ما قدمه الآخرين غيره ولا يزالون يقدمون للأمتين العربية والإسلامية.

 
فالمملكة العربية السعودية مثلا  ما فترت منذ تأسيسها إلى وقتنا الحاضر ،ومن خلال المواقف الثابتة لقيادتها وسياستها الخارجية، عن تبني القضايا العربية والإسلامية والدفاع عنها على جميع المنصات الدولية وتقديم الدعم المادي والمعنوي لنصرتها؛ فهي لم تطبع مع إسرائيل وواجهت روسيا مرات عديدة ووقفت في وجه إيران وجابهت فكر القاعدة وإرهاب داعش في الوقت الذي تهرول فيه السياسة الخارجية التركية في إتجاه  هولاء وتحتضنهم.

 
لذا فنحن لا نصادر حق الآخرين وخاصة أهلنا في السعودية  في التعبير والإحتفال بعودة الشرعية في تركيا فذلك نصرا لنا جميعا، ولا في منح الرئيس أوردوغان لقب السلطان فهو يستحق ذلك وبجدارة لأنه غيّر تركيا ودفعها بفكره إلى مصاف الدول المنتجة.
ولكننا نريد نوعا من الواقعية والمنطق في نفس الوقت، فلا تنجذبوا كثيرا خلف الفلاشات…فليس كل ما يلمع ذهبا.

د. خالد ناجي آل سعد

@kna2040

“نجران نيوز”

شارك هذا المقال

آخر الأخبار

حقبة جديدة ونهضة تاريخية تعيشها ملاعب كرة القدم في المملكة

السبت, 7 ديسمبر, 2024

سمو ولي العهد يطلق الإستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر

الأربعاء, 4 ديسمبر, 2024

وزارة التعليم تُطلق فعاليات يوم التطوع السعودي والعالمي 2024 م تحت شعار “مجتمع معطاء”

الثلاثاء, 3 ديسمبر, 2024

المملكة تستضيف الحدث الدوائي الأضخم على مستوى الشرق الأوسط بمشاركة كبرى الشركات الدوائية المحلية والدولية

الإثنين, 2 ديسمبر, 2024

مبادرة “السعودية الخضراء”.. لمستقبل أكثر استدامة

الإثنين, 2 ديسمبر, 2024

ألبوم الصور

كتاب الرأي

مقالات أخرى للكاتب

2 Comments

  1. ابو حسام يوليو 17, 2016 في 9:38 م - الرد

    مقال اكثر من رائع .. اعجبني فيه الطرح المتوازن .
    شكرا دكتور ابو سيف .

  2. بندر القرني نوفمبر 29, 2017 في 3:06 م - الرد

    مقال جميل وطرح عقلاني منطقي وفيه نقاط في وجهة نظري تتعدى النقطة الاساسيه للمقال وأخص نقطة تبعية القطيع وتقديس البعض في ارائهم وتوجهاتهم بانها غير قابله للخطأ وعدم الجرائة بالبحث عن الحقيقه من جميع الزوايآ المتعددة،،خلاصة وجهة نظري مقال /me 。🌟。☆。★ 。☆ 。🌟。☆ ✌。\|/。👏 قَـمممۃ بٱڵٱبــــڍٱٱٱٱع 👌。/|\。👍 。☆。 。🌟 🌟。 ★。 ☆

اضف تعليقاً