عن الكاتب

” ما لم نتعلّم كيف نحبّ خلق الله، فلن تستطيع أن نحبّ حقاً ولن نعرف الله حقًا.”
ــ شمس التبريزي

.
عاد من الحج  وقد أثبت للجميع بما يملك من مال وقدرة أنه الأقرب إلى الله منهم ، لحظة عودته إلى دياره ظانًا بذلك أن سعيه ، وطوافه ، و تهليله ، و تكبيره ، و أستغفاره قد محت  كل ذنوبه وآثامه و ذلك من خلال إجتيازه الخط الفاصل بين الروح والجسد ، بين البياض والسواد ، بين الخير والشر،  بين الإنسان واللإنسان .. حين طرقت بابه  ، تريد أن  تسلم على الجدة الطيبة .

.

و على ذلك العمر والذكريات التي  مضت  وهي تزرع أرضهم  و تصنع لهم الخبز في وقت راحتهم . و تمسك بتلك الطفلة التي أصبحت في آواخر الثلاثين ، و ذلك الطفل الذي أصبح أبنها بالرضاعة بعد تسعة أشهر سيصافح الأربعين عامًا . لقد أسمت أبنتها الأولى نعمة ،  بأسم أختهم الكبرى وأسمت أبنتها الثانية نوره ، بأسم أبنتهم الصغرى . تطرق الباب  وهي تشعر بالحزن لأنها  لم تستطع أن تحضر بيدها هدية من بلادها المنكوبة – اليمن – كانت تتمنى لو أنها أحضرت صندوق رمان لا ربما  ثلاثة صناديق على الاقل .

.

عموما الكل يعذرها فهذه الحرب كبقية الحروب اللعينه الا أنها امتازت عن غيرها من حيث المأساه في كونها لم تبقيّ لهم من أشجار الرمان شيئاً ، أحترقت كل أشجار الحقل ، ومات زوجها من رصاصة لا تميز بين المدني و المحارب ، طرقت بابه في أستحياء شديد  سألت الحاج  عن أهل الدار ، عن الجدةِ الطيبة وعن أبنها بالرضاع وعن كل نساء القبيلة اللاتي تقاسمنّ معها الشقاء معاً ، قال لها على مضض الجدة ماتت والجميع رحلو!  وهذه الأرض أشتراها رجل غريب  ، بكت على الجدة بمرارة ، شعرت وكان الحليب في صدرها  يتدفق من جديد شعرت بالحزن على غيابها عن أبنها كل هذا السنوات وكيف سمحت لنفسها أن تنساه ، شعرت بالأسف كيف لهم أن يتركون هذه الجنة للغرباء  والرحيل  عن أرضهم ، جلست وحيدة أمام الباب . شعرت بشي قوي يمسك بكتفاها و صوت هاديء  يسألها  ما بك يا عمة ؟! أجابتها بسؤال يا أبنتي  هل تعرفين أصحاب هذا الدار وهذه الأرض السابقين ؟
هل تعرفين أين أجدهم الآن ؟!  وقفت في ذهول وأجابتها هل تقصدين جدتي رحمة الله عليها !! .. وفي لحظة ذهول أخرى و ضعت يدها على صدرها وبكت  بحرقة حارقة هذه المره . كيف للحاج أن ينكرني كيف له أن لا يعرفني  وقد عرفتة نفسي وكان يعرفني  جيداً . أنها أنتي لقت كبرتي كنت في حضني تنامين حين كانت والدتك تنشغل في عمل ما   ، يا أبنتي  لقد كنت في الحج عائدة الى أرضي المنكوبة مررت من هنا لألقي التحية والسلام على أول أرض أحتضنتني وعلى نصف عمري الذي ضاع فيها ، لقد كانت الطريق وعرةٍ جدا  لقد نزحنا منذ سنوات بعيدًا عن الخطر ، لم أكن لأطلب حاجة رغم مرارة الأيام بنا . أحتضنتها بقوة وقالت لها  يا حجة أغفري له  ، وتعالي معي ، فليس كل من يحج يرى الله حقاً . وليس كل رماد رمان !

.

أ. ناديا ابو ساق

“نجران نيوز”

شارك هذا المقال

آخر الأخبار

نيابة عن خادم الحرمين الشريفين.. سمو ولي العهد يرأس ويفتتح أعمال القمة العربية والإسلامية غير العادية المنعقدة بالرياض

الإثنين, 11 نوفمبر, 2024

نتائج قرعة كأس الخليج “خليجي 2026”

الأحد, 10 نوفمبر, 2024

دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم

الجمعة, 8 نوفمبر, 2024

“الأرز” أحدث إنتاج يُضاف لسلة الغذاء التي تنتجها مزارع نجران

الثلاثاء, 5 نوفمبر, 2024

التدريب التقني يعلن مواعيد التسجيل بالكليات التقنية والمعاهد للفصل الثاني

الإثنين, 4 نوفمبر, 2024

ألبوم الصور

كتاب الرأي

مقالات أخرى للكاتب

2 Comments

  1. منصور الحاتم سبتمبر 11, 2017 في 11:38 ص - الرد

    رمان ورماد تستحق الاشاده لسببين
    اولا : مستوى الوعي والادراك لدى الكاتبه ترجمة مشاعر انسان لديه من الاحساس والخيال مامكنها من ايصال صورتها الجماليه الى القراء باسلوب جذاب ومشوق بعيدا عن الاسفاف والمبالغه يلمس الواقع بعيون انسانيه اكثر منها تصوير نقدي او مجرد تجميع كلمات لكتابة مقاله
    ثانيا : جميل ان نرى مثل هذه الاقلام الانثوية تكتب بهذا الجمال والاحساس متغلبة على واقع مجتمعي ذكوري بامتياز لايصال رساله بمكنون هذه المواهب التي تمثل النصف الاخر للمجتمع فتمتع بما تكتبه ومزيدا من الاعجاب بصحيفة نجران نيوز التي اعطت هذه الاقلاع فرصة ومساحة لاظهار هذا الابداع
    منصور الحاتم
    اعلامي

  2. متابع سبتمبر 11, 2017 في 3:17 م - الرد

    جميل رغم القسوه

اضف تعليقاً