عن الكاتب
يصعب في معظم الدول ممارسة أي شكل من أشكال التستر التجاري، ويرجع ذلك إلى طبيعة كل اقتصاد، وسلوك المواطنين في التعاطي مع الاقتصاد والعمل. لا نعرف بالضبط متى تشكل التستر التجاري في تاريخنا الاقتصادي الحديث، إلا أن المؤشرات والدلائل العامة تشير إلى أنه مرتبط بعدد العمالة التي دخلت البلاد بشكل كثيف لأهداف وأغراض عمالية غالبا، ثم تحولت تلك العمالة إلى أصحاب عمل بدعم من بعض المواطنين، عبر ممارسة العمل التجاري نيابة عن المواطن، ثم تطور الأمر حتى وصل إلى أن تلك العمالة قامت بإخفاء جميع الإيرادات المحصلة من العمليات التجارية خوفا من مشاركة كفيلها الأرباح، وبعدها تشكل نموذج مستقر، ومن خلال علاقة خفية بينهما على أساس تقديم مبالغ شهرية بسيطة للمواطن في سبيل الاستمرار في التستر التجاري، وأصبح كلا الطرفين يحققان مكاسب على حساب الآخر.
رغم أن كل المؤشرات تدل على أن عشوائية الأسواق الداخلية وصعوبة تعقب سلسلة الإمداد والأموال والفجوة الاستثمارية في عدد من القطاعات الاقتصادية، إضافة إلى حرية حركة تحويل الأموال إلى الخارج، كانت من أهم العوامل التي أوجدت نظاما اقتصاديا خفيا يدير المليارات، معتمدا على القوة النقدية المتاحة في البلاد. ومع الأسف جميع أشكال التستر لم تكن تقوم بأي عمليات تصنيعية لجذب النقد الأجنبي من الخارج، بل كانت تتطفل على فاتورة الواردات الوطنية عبر مزيد من الاستيراد والبيع للداخل، ثم تحويل تلك الأموال إلى الخارج، ففي جميع الحالات كانت عملية اقتصادية غير مجدية حتى اقتصاديا للبلاد.
وبحسب مجموعات الدخل التي يصدرها المنظم الإحصائي، نجد أن عمليات التحويلات للأجانب تفوق إجمالي الأجور، ولعل الأمر أكثر تعقيدا إذا ما أصبحت هناك مصارف متحركة تقوم بتحويل الأموال خارج النظام المصرفي ثم تستخدم أساليب وحيلا أكثر تعقيدا لتمرير الأموال إلى الخارج في صورة فواتير لمشتريات في ظاهرها أنها بضائع للاستيراد، لكن في الأغلب أنها أموال تحول إلى الخارج ولا يقابلها بضائع تدخل للاقتصاد، وهذا ما يفسر خروج أموال دون أن تقيد تحويلات، بل يتم احتسابها مشتريات تشارك في العمليات الاقتصادية عبر مؤسسات وشركات لمواطنين. هذا النوع من التحايل يعد الأكثر صعوبة في التعقب، لكن مع التطور والخبرات المتراكمة، كشفت الأجهزة الأمنية والاقتصادية عن ذلك.
ختاما، الحل يأتي من خلال إعادة هندسة سلسلة الإمداد ومراقبتها تقنيا، إضافة إلى تعقب حركة الأموال التجارية والشخصية دون الإخلال بحرية حركة التحويلات المالية وإعادة تنظيم الأسواق الداخلية على أساس جغرافي وسكاني، والتحقق من نمو ثروة أصحاب الأعمال في مقابل العمليات المسجلة على حركة المبيعات اليومية والسنوية، ومنع تخزين مواد البناء والأغذية أو أي مخزون سلعي خارج نظام تعقب سلسلة الإمداد، وتأسيس مستودعات تحت الرقابة، والإفصاح عن مواقع التخزين وربطها بوثائق الشركة الأساسية.
>
نقلاً عن الإقتصادية