عن الكاتب
الواقف على العلاقة السعودية التركية لابد أن يتذكر تصريح الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في منتدى الاستثمار (دافوس الصحراء) 2018م، عندما أثنى بشكل مباشر على العلاقة مع تركيا وقيادة البلدين، كانت أمنيات سعودية لعل أردوغان وفريقه يلتقطونها.
لم يلتقط أردوغان تلك الإشارات المهمة، التي كان من الممكن البناء عليها وتحول الرياض وأنقرة إلى عاصمتين متعاونتين لمصلحة الإقليم، بل استمر زعيم العثمانيين الجدد في طريقه الخشن منفذاً خطته للقضاء على السعودية، حتى أنه أعلن بكل تعالٍ أن هناك دولاً في المنطقة سوف تختفي ويسقط أعلامها.. ناشراً خريطة تحتل فيها تركيا الإقليم العربي كاملاً بما فيه السعودية، كانت تحركه الأمنيات والخطط على الورق.. لكن ليس بالأمنيات تتحقق السياسات.
الغرور والتعالي الأعجمي العثماني الذي رسم علاقة الأتراك مع العرب طوال 500 عام لا تزال ترفرف بتفاصيلها فوق قصور الحكم في أنقرة وإسطنبول، وهي من تحدد مسار العلاقة التركية في شكلها «الأردوغاني» الحالي مع أندادها من الدول، وكما حولتهم إلى أعداء سابقاً تحولهم اليوم إلى خصوم.
من الصعب جداً أن تتعامل أي دولة مع الطرف الآخر في المعادلة السياسية وتكون شخصيته متقلبة ومعتقداً أنه الطرف الأذكى والأدهى، إنه مأزق «النرجسيين» الذي وقع فيه هتلر وستالين وموسوليني والقذافي والخميني وصدام وأسامة بن لادن وأخيراً أردوغان، كلهم آمنوا بأنهم أعلى من غيرهم وجزموا أنهم عباقرة الدبلوماسية وحواة السياسة، ولذلك تحولوا إلى طواغيت فكانت نهاياتهم حتمية.
أردوغان شخصية ميكافيلية متقلبة تستخدم كل شيء من أجل مصالحها وتحقيق الانتصارات السريعة، يقول أردوغان واصفاً نفسه حسب شهادة «ثروت الخرباوي» عضو تنظيم الإخوان السابق بعد أن التقاه عام 1999 وشارحاً خطته السياسية: إنه «شيطان» يستخدم خطوات الشيطان للوصول إلى مبتغاه، يا له من وصف غاية في الدقة والصراحة مع النفس لم يقله الخرباوي بل قاله أردوغان عن نفسه، ليس من السهل قبوله أو التعامل مع صاحبه، لكنه يكشف أننا أمام شخصية نرجسية الصفات، لا يمكن الثقة في تصرفاتها.
يعود اليوم أردوغان في علاقته مع السعودية، إلى مسألة التعاطف الديني مستخدماً مصطلحات الأخوة الإسلامية، وموظفاًَ مساحة الحلال والحرام التي نسيها عندما كان يطلق تصريحاته «الحمقاء» ضد الرياض وموجها طاقمه السياسي العلني أو الموازي لاختبار الصبر والدهاء السعودي.
يقول إنه من الحرام على الرياض إقامة مناورات وتمارين عسكرية مع اليونان، مع التذكير أن تركيا واليونان عضوان في حلف الناتو، وعلى الرغم من أن اليونان نفسها لم تحتج عندما قامت السعودية بنفس المناورات مع الأتراك.
الحلال والحرام في العلاقة بين الرياض وإسطنبول طريق شائك من الخطأ أن يلجأ اليه أردوغان، لكن من المفيد تذكيره وبني قومه ليروا من ارتكب الحرام والجرائم، ومن يستحق القصاص منه.
هل قيام الجيوش العثمانية بغزو دولة مستقلة -السعودية الأولى- وتدمير عاصمتها «الدرعية» وقتل مواطنيها على الهوية بالمدافع وإحراق السكان العزل داخل بيوتهم حلال أم حرام يا سيد أردوغان.
هل من الحلال والحرام اختطاف المدنيين وتهجيرهم إلى تركيا ومصر وألبانيا وبلغاريا والقوقاز، وتغريبهم خارج بلدانهم واقتلاعهم من موطنهم الأصلي في نجد والمدينة المنورة وعسير والباحة والأحساء.
هل من الحلال الاستيلاء على الزكوات وفرض الضرائب على العرب الفقراء تحت الاحتلال التركي لبناء قصور السلاطين وشراء الإماء وبناء الحرملك؟ هل من الحلال والحرام اغتيال الشعب الكردي المسلم، وممارسة الإبادة الجماعية ضده، كما فعلتم مع الأرمن والسعوديين الأوائل والليبيين والمصريين.
وهل من المقبول أن يبيع الأتراك السلاح والصواريخ لصالح الإسرائيليين ويقيمون المناورات العسكرية معهم، ويعيبونها على غيرهم، أليس من المخزي والمعيب أن يزور أردوغان قبر هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، ألا يدخل ذلك في باب الحلال والحرام التركي.
هل من الأُخوة الإسلامية التحالف مع اليسار الغربي والمنظمات المتطرفة لحصار السعودية وتشكيل جبهة دولية ضدها كما صرح بذلك وزير خارجية أنقرة، هل من الحلال والحرام شيطنة الرياض وقادتها أمام العالم الإسلامي وتشكيل تحالفات مضادة والإعلان عن كيانات موازية ومحاولة سرقة دورها في خدمة الحرمين الشريفين، ألم تسمحوا لأنفسكم ببناء قواعد عسكرية شرق السعودية وغربها وجنوبها لمحاصرتها، وتستكثرون على المملكة تمريناً عسكرياً واحداً مع اليونانيين، يا له من حلال وحرام على المقاس التركي فقط، يجعل من الحق باطلاً ويرفع من قيمة الحرام، فلا بلغت حلالاً يا أردوغان ولا صنعت سلاماً.
كاتب سعودي
massaaed@
نقلاً عن عكاظ