عن الكاتب
بعد كتابة مقالي السابق الذي عنونته بـ “وداعاً زحمة الرياض”، وردتني العديد من الردود الإيجابية حول ذلك المقال، وكان من بينها ردٌ لأحد الأصدقاء الذين طلبوا مني الكتابة حول مشاكل الشباب، والتي من أبرزها اصطدامهم بعقبة الخبرة عند تقدمهم للتوظيف في القطاع الخاص تحديداً، ولعل الحديث عن التوظيف، والقطاع الخاص، والشباب وهمومهم، من المواضيع المتشعبة، التي تحتاج لتعمق أكثر؛ حتى ندرك أسبابها وطرق التعامل معها، ولكن دعوني بدايةً أتحدث عن العمل في القطاع الخاص، ونتساءل معاً: هل العمل في الشركات هو المجال المفضل للشباب؟
وهل الشركات تدعم الشباب وتهيئ لهم البيئة المثالية للعمل؟
عندما نتعرف على إجابة هذين السؤالين فنحن قد استطعنا تفنيد أسباب المشكلة، فجميعنا يعلم أن الشركات تبحث عن الموظفين المنتجين، وهذا قد لا يتوفر في حديثي التخرج قليلي الخبرة، الذين يحتاجون إلى سنوات عدة حتى يستطيعون التأقلم مع بيئة العمل، ثم اكتساب الخبرة وتحقيق الإنجازات، ولذلك قد لا ترغب الشركات في توظيف هذه الفئة؛ لأنها قد لا تتواءم مع أهدافها الرئيسة التي تتمثل في إنجاز المشاريع وتحقيق الأرباح، وقد تكتفي بعدد قليل من الموظفين المنتجين من أصحاب الخبرة، وفي كثير من الأحيان تعتمد في ذلك على الموظفين الأجانب، الذين يتقاضون أقل مما يبحث عن الموظف المواطن، الذي يبحث عن المقابل المالي المرتفع، وعندما لا يجد ذلك المقابل المالي فإنه سيتجه لشركة أخرى أو جهة حكومية، تاركاً ما بدأه من أعمال متراكمة، لتبدأ الشركة من جديد في رحلة البحث عن موظف آخر، وتشترط أن يكون متسلحاً بالخبرة والمهارات المطلوبة في سوق العمل، وهذا هو لب المشكلة التي عانت منها الشركات والجهات الحكومية المشرفة على قطاع التوظيف من سنوات طويلة، فلا الشركات تستطيع التنازل عن شروطها في هذا الجانب، وتولي كبرى مهامها لموظفين مبتدئين، قد تتكبد الخسائر بسببهم، ولا الموظفين المبتدئين على استعداد تام لخوض هذه التجربة وتحمل تبعاتها سعياً للوصول إلى أعلى المراتب، إلا ما ندر طبعاً.
وهناك مشكلة أخرى قد نشأت من صورة ذهنية غير صحيحة، تتمحور حول مسألة الاستقرار الوظيفي وعدم وجوده في القطاع الخاص، ولذلك يميل الكثير من حديثي التخرج للبحث عن الوظائف الحكومية تحقيقاً لذلك الهدف، ولكن دعونا ننظر إلى الموضوع من زاوية أخرى، وهي أن العمل في القطاع الخاص قد يحقق للموظف من المكتسبات ما قد لا تحققه الوظيفة الحكومية في سنوات طويلة، والكثير منّا يعرف عن رجال الأعمال الذين كانت انطلاقتهم من الشركات، وبعد اكتسابهم للخبرة أصبحوا قادرين على إنشاء كياناتهم الخاصة، التي لم تكن لتنشأ لو كانوا موظفين في القطاع الحكومي، وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن الوظيفة الحكومية غير مجدية، وإنما يعتمد ذلك على تطلعات الموظف فيها ورغبته في تحقيق الأهداف الخاصة به خارج نطاق المنظومة، ودليلي في ذلك على أهمية الوظيفة الحكومية هو رجال الأعمال الكبار على مستوى العالم الذين استقطبتهم الحكومات للعمل معها وتحقيق أهدافها، وهذا يعني أن العمل في كلا القطاعين مهمٌ جداً، ولذلك يجب علينا ألا نطلق الأحكام جزافاً ونجزم بحقيقتها، وأن نتحلى بالصبر في بداية رحلتنا العملية، فتحقيق النتائج لا يمكن أن يكون من الخطوة الأولى، وإن حدث ذلك مع البعض فهو من القواعد الشاذة التي لا يقاس عليها.
أ. شويش الفهد
“صحيفة المشهد الإخبارية“