عن الكاتب

 

تعتمد نظرية الميل الأخير في مجال التنمية البشرية على فكرة أن حياة الإنسان مقسمة إلى عدد من الأجزاء، بحيث يكون الجزء الأخير الذي يعادل 10% من عمره هو الميل الأخير، وهي الفترة التي يصبح فيها الإنسان أقل مجهوداً وأعلى دخلاً، ولو أردنا أن نتفحص هذه النظرية ونفسرها بحسب أحوال الناس واختلاف مستوياتهم؛ لوجدنا أن هذه النظرية قد لا تنطبق على كثير منهم، فهي تركز على فئة محددة من البشر، وهم الذين يعملون ويكدحون منذ سنوات مبكرة في حياتهم، حتى يصلون إلى عمر متقدم قد يكون سن الخمسين مثلاً، وهو السن الذي يبدأ الإنسان فيه بالاستعداد لمرحلة التقاعد والراحة بعد سن الستين عاماً.

إذاً يتبين لنا من خلال التحليل السابق بأن تلك النظرية تفتقد إلى الشمولية، وعدم الملاءمة لكل المستويات البشرية، فليس كل الأشخاص موظفون، وليس كل الأشخاص قد التحقوا بالعمل منذ سن مبكر، أو على الأقل سن الثلاثين عاماً، فهناك التجار الذين نشأوا في كنف الشركات والمؤسسات الخاصة بهم، وهناك الأثرياء الذين لا يحتاجون إلى الوظيفة أساساً، فهنا تصبح فكرة نظرية الميل الأخير معدومة أو غير مناسبة، حيث تصبح جميع الأجزاء العمرية في حياة الإنسان متساويةً بعكس الموظفين والعمّال.

وهناك ملاحظة أخرى على تلك النظرية، وهي أنه ليس بالضرورة أن جميع الموظفين يصبحون مع مرور الزمن أقل مجهوداً وأعلى دخلاً، بل على العكس تماماً من ذلك، فإن هناك شريحة كبيرة من الموظفين الذين يصلون إلى مرحلة التقاعد ثم يبدأون في البحث عن عمل آخر، وفي نفس الوقت فإن دخلهم يقل بسبب أنظمة التقاعد المطبقة في القطاعين العام والخاص، وكذلك لوجود العديد من الالتزامات المرهقة والمتراكمة عليهم منذ سنوات طويلة، والتي تحتاج إلى الاستمرار في رحلة العمل إلى أن يشاء الله؛ حتى يكون الإنسان معها قادراً على الوفاء ولو بجزء محدد من التزاماته ومديونياته.

وقد يعمد الكثير من الموظفين إلى انتهاج أساليب مختلفة؛ لضمان تأمين مستقبله ومستقبل عائلته قبل وصوله للميل الأخير؛ كأن يطرق أبواب التجارة بالتزامن مع وجود عمله الأساسي، وقد يعمد آخرون إلى الإدخار والاستثمار بطرق مريحة ومضمونة العوائد، كشراء الأراضي والعقارات والأسهم وغيرها، وقد يفضل البعض التركيز على مجال العمل الرئيسي ومحاولة الوصول إلى أعلى المناصب فيه؛ حتى يكون أكثر دخلاً وأقل مجهوداً، ولا يحتاج إلى عمل جديد أو مشروع تجاري يرهق فيه نفسه بعد مرحلة التقاعد.

وتجدر الإشارة هنا إلى ضرورة الانتباه لمسألة الجدية في الحياة وخصوصاً للموظفين، وعدم التعامل معها على أنها مجرد مسألة وقت، فكثير من الذين يفكرون ويعيشون بهذه الطريقة يندمون أشد الندم، ولا يعني ذلك أيضاً التعامل مع النفس والجسد على أنهما مجرد وسيلة لكسب المال وتحقيق الأهداف، بل ندعو إلى التوسط بين الجدية والراحة، ومن تجربة شخصية أستطيع القول بأن الأهداف الكبيرة في حياتنا تأتي بتوفيق الله وليس باجتهادنا وتخطيطنا؛ فقد تجد من يحدد له أهدافاً كبيرة ويسعى بكل الطرق لتحقيقها؛ ويشاء الله أن تتحقق له أهدافٌ أخرى لم تكن في حسبانه، ولذلك يجب أن ندرك تماماً هذا الأمر، ونتيقن أن الخيرة فيما اختاره الله لنا، فقد يكون بعض الأمور التي نسعى لتحقيقها بها من الشرور ما لا يعلمه إلا الله فيصرفها عنا، ويكتب لنا أفضل منها بحكمته وقدرته عز وجل.

 

أ. شويش الفهد

“صحيفة المشهد الإخبارية”

شارك هذا المقال

آخر الأخبار

“الغذاء والدواء”: اقتراب تطبيق اللوائح الغذائية الجديدة لتعزيز الشفافية وخيارات المستهلك الصحية

الأربعاء, 18 يونيو, 2025

سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا برئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية

السبت, 14 يونيو, 2025

ترسية حقوق النقل التلفزيوني للمسابقات السعودية لصالح شركة “ثمانية

السبت, 14 يونيو, 2025

حرس الحدود يحبط محاولات تهريب (2,756,806) أقراص من مادة الإمفيتامين المخدر و(1,944,230) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي و(4) أطنان من مادة الحشيش المخدر

الخميس, 12 يونيو, 2025

“التخصصي” ينجح في إجراء أول عملية تصغير معدة بالمنظار لزارع كلى على مستوى المنطقة

الخميس, 12 يونيو, 2025

ألبوم الصور

كتاب الرأي

مقالات أخرى للكاتب

اضف تعليقاً