عن الكاتب

بعد تلك القيلولة المريحة ، أزحت بطانيتي عن جسدي المنتعش والمنتشي بشعور غريب ، شعرت برغبة  جامحة تُلح في نفسي لزيارة بيتنا القديم الذي رحلنا عنه منذ ثلاثون عاماً مضت .
نهضت ُ من فراشي … مسحت وجهي … أدرت محرك السيارة ، دخلت حارتنا القديمة ، وأنا أرقب تلك الأبنية القديمة والزقاق الضيقة .

أحنيت رأسي خجلاً منها خُيَّل إلي أنها تعاتبني عتاب أمٍ تمادى إبنها في هجرها ،
أوقفت سيارتي بجانب بيتنا ، حاولت جاهداً فتح الباب بذلك المفتاح الصدىء، محاولات شاقة تكللت بانفراج الباب على مصراعيه ، على بوابة الزمن القديم ، فناء المنزل مغطى بنسيج عشب يابس ، وعلب قديمة فارغة وأوراق صفراء ألهبت بياضها الشمس .. تطير هنا وهناك ، وكأنها تستحثني لملاحقتها ، وقراءة فرحي الطفولي عليها حينما أكمل كتابة قطعة شاقة من درس القراءة ، أو أصل لحل مسألة حسابية عسيرة …

أزحت نظارتي الشمسية عن وجهي لأرى الصورة بوضوح أكبر .
التقطت ورقة هاربة أخطأت طريقها لتصطدم بقدمي ، رفعتها لأرى ما فيها .. ألفيتها دون وجه ، شاحبة الملامح ، قربتها لأنفي لأستنشق منها ذلك الزمن المتسرب إلى البعيد .
عبق طفولة تقافز أمامي حاولت إمساكه تسرب هو ـ أيضاً ـ إلى ذات الهوة السحيقة ..
مططتُ الورقة بين يدي المرتعشتين .. استنطقها لكنها خرستْ عن جوابي .
ذرفت من عينيّ دمعة حرّى استقرت على صدر الورقة المرتجفة ،
تسللت إلى أصابعي رعشتها سائلة عتقها من هذه المحاكمة الجائرة ..
دلفت إلى غرفتنا الصغيرة التي كانت تجمعني وأََخَوَيّ .
رباه .. التراب يُغطّي الأرضية والعناكب قد نسجت حبالها على أبواب الغرفة ونوافذها بإحكام شديد ، كأنها تود اكتناز ذاك الزمن القديم (بالداخل )
وتمنعه من معانقة الزمن
الجديد( بالخارج) .
حرارة غرفتنا في بيتنا الطيني القديم معتدلة جداً .
أنفاسنا مازالت في زوايا غرفتنا القديمة حية .. صراخنا مافتىء حاضراً ، بكاؤنا .. فرحنا .. همسنا .. تحالفنا .. عراكنا .. كل شيء كان حياً في دارنا،،
كأننا لم نغادر من هنا .
هاهي رسمة أخي  التي رسمها على حائط الغرفة على مرأى مني  ( ريح  سوداء ُعاصفة  تحاول بضراوة اقتلاع ثلاث شجرات : “كبرى و وسطى وصغرى ”
الآن بدأت أدرك مغزى ما كان يقصده أخي ، تذكرت سؤالي لأخي : لم هذه العواصف والشجر ؟؟!
تأملت ُ الشجرات الثلاث والريح العاصفة ، مسحت بيدي عليها أتحسسها … أهدهد ثورانها لكنها مازالت تعصف وتقصف غضبها نحو الشجرات الثلاث … مسحت دموعي بأناملي المرتعدة وعدت أمسح الحائط من مهب العاصفة ، لعلها ترأف بهذه الدموع المستجدية وتهدأ يوماً ما ، ريح قوية حركت ذلك التراب النائم على أرضية الغرفة … إعصار صغير يقف على قدميه في غرفتنا الصغيرة ، صرصرة قوية تجلجل في أذني أهرول إلى الخارج
وأنا أعيد إقفال ذلك الباب المهترىء ،،

.
أ. حسين عقيل

“نجران نيوز”

شارك هذا المقال

آخر الأخبار

دراسة : الوجبات السريعة قد تتلف ذاكرة المراهقين بشكل دائم

الجمعة, 19 أبريل, 2024

وزارة الصحة: بدء توفير لقاح الفايروس التنفسي المخلوي RSV في السعودية

الجمعة, 19 أبريل, 2024

الإدارة العامة للمرور تبدأ تطبيق تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة على مرتكبيها بنسبة (50%)

الخميس, 18 أبريل, 2024

اكتشاف خندق دفاعي وسور تحصين يعود تاريخهما إلى عدة قرون في جدة التاريخية

الخميس, 18 أبريل, 2024

عرض سعودي «غير قابل للرفض» للاكازيت

الأربعاء, 17 أبريل, 2024

ألبوم الصور

كتاب الرأي

مقالات أخرى للكاتب

[fusion_widget type="CRP_Widget" margin_top="" margin_right="" margin_bottom="" margin_left="" hide_on_mobile="small-visibility,medium-visibility,large-visibility" fusion_display_title="no" fusion_border_size="0" fusion_border_style="solid" fusion_align="center" fusion_align_mobile="center" fusion_bg_color="var(--awb-color1)" crp_widget__limit="5" crp_widget__post_thumb_op="text_only" fusion_padding_color="-20px" /]

2 Comments

  1. سالم آل سفران أغسطس 7, 2018 في 3:48 ص - الرد

    عبث الجمال بخدها فتوردا …عبث الكاتب بالحرف فتجمل المقال !!
    لغة شفيفة خالصة الصفاء والنقاء مازجها سرد اتكىء على مفردات عامرة بدلالات المكان والزمان .
    شكرا لك ياصديقي فقد أشعلت ذاكرتي بتلك الأيام الماضية.

  2. حسين عقيل أغسطس 9, 2018 في 3:00 م - الرد

    حديثك أباعبدالكريم يسح كرماً ونبلا شكراً لحسن ظنك في صديقك

اضف تعليقاً إلغاء الرد