عن الكاتب
إخبارية شاملة تصدر عن مؤسسة صحيفة المشهد الإخبارية للنشر الإلكتروني
في سنوات طفولتنا عندما يطرح معنى المعلم المتميز كنتُ لأخبرك كطالب صغير السن يغلب عليه الحماسة والاندفاع أنه ذلك الشخص الذي يسمح بشيء من الترفيه داخل الفصل، ويعطي القليل من الواجبات المنزلية.. والجدير بالذكر أنه بعد سنوات طويلة من الخبرة في مجال التعليم، فقد تغيرت رؤيتي تمامًا.. ويتيح لي موقعي الحالي كمعلم وكمشرف سابق أن أنقل ما تعلمته خلال سِنين حياتي إلى القائمين على عملية التعليم في الوقت الحالي وفي المستقبل .
إن التعليم ليس بالشيء الهين، وهناك بعض المعلمين ـ للأسف ـ لا يتجاوزون مستوى المعلم النمطي العادي؛ فهم يبذلون أقل القليل ولا يتخطون أبدًا الحد الاعتيادي المطلوب، ويؤدون المطلوب منهم فقط.. وأرى أن المعلم المتميز هو الذي يبذل الغالي والنفيس لخلق بيئة تعليمية تتسم بالتحدي والثراء ولايقتصر على المعلومات والمهارات التي يمتلكها هذا المعلم .
من الخصائص الأساسية التي أرى أنه لا بد للمعلم المتميز أن يتحلى بها، وذلك بغض النظر عن المرحلة العمرية للطلاب الذين يدرس لهم:
١- المعلم المتميز يحترم طلابه فنجد داخل الفصل أن كل فكرة وكل رأي له احترامه؛ والطلاب يشعرون بمنتهى الحرية في التعبير عن كل ما يجيش في صدورهم من آراء وأفكار ومشاعر.. ويتعلمون من خلال ذلك فضيلتي الإنصات واحترام الآخرين.. ويستطيع المعلم بذلك خلق بيئة تعليمية من شأنها احتواء كافة الطلاب بغض النظر عن خلفيتهم الثقافية، والبيئات التي نشأوا فيها.
٢-المعلم المتميز يضع آمالاً وتوقعات عريضة لكل طلابه: فهذا المعلم يدرك أن التوقعات التي يضعها لطلابه تؤثر إيجابيًّا على إنجازاتهم؛ ويدرك أيضًا تمام الإدراك أن الطالب يستجيب له بحسب حجم التوقعات والآمال التي يضعها بشأنه، قلَّت أو كثُرت.
٣- المعلم المتميز يبث روح الجماعة والانتماء داخل الفصل الذي يتولاه تتيح قاعدة الاحترام المتبادل التي يفرضها المعلم المتميز من لحظة وجوده في الفصل ـ خلق بيئة تعليمية داعمة، تغلفها روح التعاون والمؤازرة والإخاء.. وداخل هذا المجتمع الصغير هناك قواعد يجب اتباعها ومهام ينبغي أداؤها، ويشعر كل طالب داخل الفصل بأهميته، مدركًا أنه جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة.. ودائمًا ما يؤكد المعلم المتميز لطلابه أنهم لا يمكنهم الاعتماد عليه فحسب، بل يمكنهم كذلك الاعتماد على أنفسهم، وبعضهم البعض.
٤-المعلم المتميز يتسم تعامله بالدفء والحماسة والاهتمام ويمكن دومًا الوصول إليه والاتصال به: فهذا الشخص يمكن الاقتراب منه والتعامل معه بسلاسة ويسر، لا من جانب الطلاب فحسب بل من جانب كل شخص موجود داخل الحرم الدراسي؛ فهذا هو المعلم الذي نبحث عنه؛ المعلم الذي يستطيع أي طالب أن يُفضي إليه بمشكلاته ومتاعبه وهمومه التي تؤرقه ويلتمس لديه الحل والرأي الصائب؛ وهو أيضًا الذي يستطيع الطالب نفسه أن يحكي له قصة طريفة أو مضحكة أعجبته.. فالمعلم المتميز يمتلك مهارة الإنصات الجيد، ويستطيع أن يقتطع من وقته الثمين وجدوله المزدحم فسحة من الوقت؛ للتواصل مع الآخرين والوقوف على احتياجاتهم.. وإذا مر هذا المعلم ببعض الأزمات أو المشكلات على المستوى الشخصي فلن يشعر أي طالب بذلك على الإطلاق؛ فهو يترك همومه ومتاعبه على عتبة المدرسة التي يعمل بها.
٥-المعلم المتميز هو بالضرورة قائد يتمتع بكثير من المواهب والمهارات فهو يختلف عن غيره من القادة الإداريين، ويركز على تبني مفهوم صُنع القرار بصورة جماعية فهو يقدس العمل الجماعي، ويهدف دومًا إلى بناء المجتمع وتطويره.. ويستطيع ذلك المعلم أن ينقل إحساس الريادة والقيادة إلى طلابه؛ وذلك عبر منح كلٍّ منهم الفرصة كاملة لتولي أحد الأدوار القيادية.
٦-المعلم المتميز لديه شغف كبير بالعلم والتعلم ولديه أيضًا القدرة على بثِّ عشقه وشغفه بالعلم والمادة الدراسية التي يقدمها إلى طلابه.. وهو دائم التجديد في الطريقة التي يدرس بها ويتبعها في إيصال المعلومات؛ وصولاً إلى تلبية رغبته الأكيدة في تقديم خدمة تعليمية على أعلى مستوى.. وهذا المعلم لا يهاب تعلم استراتيجيات جديدة في التدريس، ولا يرهب تضمين تقنيات جديدة داخل مادته.. وهو ذلك الشخص الذي دائمًا ما يبدو أنه على استعداد لطرح تجربته وما تعلمه على زملائه، وتبادل الخبرات والأفكار معهم.
٧-.المعلم المتميز دائم التعاون مع زملائه فهذا المعلم يرى أنه ليس من الضعف أو الجهل طلب المساعدة من الآخرين أو طلب النصح منهم، فهو يرى أن التعاون يعد طريقًا للتعلم والاستفادة من خبرة الآخرين؛ فالمعلم المتميز يستخدم النقد البنَّاء والنصح ويسخرهما كوسيلة لنموه وتطوره.
٨-هذا المعلم يستطيع تقييم نفسه وتقييم الطريقة التي يتبعها في التدريس، وذلك من خلال الدروس التي يقدمها، ويستطيع دائمًا ابتكار طرق جديدة لتقديم مادته؛ وذلك لضمان أن كل طالب قد استوعب جيدًا المفاهيم الأساسية التي تدور حولها هذه المادة.
٩- المعلم المتميز يلتزم المِهْنيةَ على كافة الأصعدة بدءًا من المظهر الشخصي وانتهاءً بالمهارات التنظيمية وإعداد المادة العلمية التي يقدمها يوميًّا، وتعتبر مهارات الاتصال لديه نموذجًا يحتذى به، سواء كان الشخص الذي يتحدث إليه من الإداريين، أو من الطلاب، أو من زملائه.. ويكون الاحترام الذي يوليه الجميع لهذا المعلم نتيجة هذه المِهنية التي تغلف كل تصرفاته.
ربما نعتقد أن التدريس في الأساس موهبة ربَّانية لدى البعض، إلا أننا نجد في الوقت ذاته أن كثيرًا من الأشخاص يبذلون جهودًا مُضنية ليكونوا في مصافِّ المعلمين المتميزين.. وأرى في النهاية أن الربح عظيم والفائدة كبيرة سواء للمعلم أو للطالب.. عليك فقط تخيُّل الطلاب وهم يذكرونك ويفكرون في الأيام التي قضوها معك، وفي كنفِكَ وأنت تعلمهم كل جديد من المعارف والعلوم.. وعندئذٍ ستسعى لتقديم المزيد والمزيد.