عن الكاتب
لعل من نافلة القول الحديث عن فضيلة شهر رمضان وثواب الصالحات فيه، في مقال صغير كهذا، ولكن يبدو لي أنه من الأهمية بمكان تنيه القراء الأفاضل إلى بعض المفاهيم المتعلقة بهذا الشهر الفضيل وهي كالتالي:
1- يجب على المسلم أن يجدد التوبة إلى ربه فيستقبل هذا الشهر تائبا منيباً، مستغفرا متعرضاً لرحمة الله وغفرانه، وأن يُخلص في صيامه؛ ليحصل على المغفرة قال صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه البخاري، ومن لوازم التوبة رد الحقوق إلى أهلها، وطلب المسامحة من القريب والبعيد، والرفيق والأجير وغيرهم.
2- التفقه في أحكام الصوم والحرص على سنن الصيام ،من تأخير السحور وتعجيل الفطور، والإفطار على الرطب أو التمر، وكظم الغيظ، وحسن الخلق مع الناس ، وأداء الفرائض في أوقاتها، واستغلال الأوقات بما يرضي رب الأرض والسموات.
3- السعيُّ في إصلاح ذات البين ،ونشر المودة بين المسلمين، والإصلاح بين الأزواج وزوجاتهم والجيران مع جيرانهم، قال تعالى(لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) سورة النساء 🙁 114)
4- الحرص على الدعاء عموماً في رمضان ، وعند الإفطار خصوصاً فتسأل الله المغفرة والعافية لنفسك، ثم لوالديك ،ثم لإخوانك المؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، قال تعالى(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ ) سورة محمد: (19) وتدعو الله بما تحب من خير الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم (من دعا بدعوة فله بها إحدى ثلاث إما أن يستجيبها الله منه، وإما أن يُصرف عنه من السوء مثلها، وإما أن يَدخرها الله له إلى يوم القيامة) حديث صحيح.
وقال تعالى ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان ، فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون)سورة البقرة: (186)
5 – لزوم تلاوة القرآن والإكثار منه في شهر رمضان ، قال تعالى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)البقرة: (185) فقد كان بعض السلف يختم في رمضان ستين ختمة، ومعلوم أن الحافظ المتقن قد يقرأ المصحف كاملا في سبع ساعات حدراً، لكن السّنة أن يختم القارئ في القرآن في كل ثلاثة أيام مرة لقوله صلى الله عليه وسلم( لايفقه من يقرأ القرآن في أقل من ثلاث) أوكما قال صلى الله عليه وسلم ،وهو حديث صحيح
6 – الحرص على قيام ليل رمضان لمافيه من الفضيلة والثواب لقوله صلى الله عليه وسلم ( من قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفر له ماتقدمَ من ذنبه) رواه البخاري، وقيامُ الليلِ من أشرف الأعمال الصالحة، وقد كان واجباً على المسلمين في مكة ،قال تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ) سورة المزمل: (4:1)
7 – الإكثار من ذكر الله والاستغفار والتسبيح والتهليل؛ فإن الذكر من أشرف الأعمال وأرفعها قدرا عند الله تعالى يقول تعالى 🙁 فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ) سورة البقرة:(152)،ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ( ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والورِقْ-الفضة- وخيرٍ لكم من أن تلقوا العدو فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ، قالوا : بلى يارسول الله قال: ذكرُ الله ) أخرجه الحاكم وغيره وهو صحيح.
8 – الصدقةُ ونفعُ المحتاجين من الفقراء والأرحام والأيتام والقرابة ،والغارمين ، فإن الله جعل في المال حقاً للفقير والمسكين ،والغارم الذي يستدين لأمر مباح ويعجز عن قضاء الدين، ويدخل في الغارمين الشخص الذي يدفع ماله للصلح بين الخصوم أويكون ذا وجاهة يستدين من الناس لينفع الفقير ويغيث المحتاج فهو غارم ، ويجب على أهل بلده وقرابته وجيرانه عونه وقضاء دينه من مال الله ، وأما ابن السبيل فهو المسافر المنقطع في سفره ،فله حق على من كان مقتدراً كما قال تعالى(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) سورة التوبة: (60) ، ويجب على الغني المسلم أن يبدأ بالصدقة على أقاربه الفقراء وأهل مدينته فهم أولى الناس بصدقته المفروضة، قال صلى الله عليه وسلم ( الصدقة على القريب صدقة وصلة ، والصدقة على البعيد صدقة فقط) حديث صحيح، وأما معنى في سبيل الله فالمقصود به أهل الثغور مثل المستضعفين في سوريا وفلسطين وغيرها، فيعطون من مال الله عن طريق مراكز الإغاثة الرسمية المعتمدة في هذا البلد الأمين.
9 – احفظ القرآن في رمضان إن لم تكن حافظاً، وراجع حفظك في رمضان إن كنت تحفظ شيئاًمن القرآن (فقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يُدارس جبريل القرآن في رمضان –يعني أنه يعرض حفظه من القرآن على جبريل عليه السلام في رمضان – فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) رواه البخاري
10 – حدد القرآن الهدف من صوم الشهر الكريم وهي تحقيق التقوى للخالق البارئ قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) سورة البقرة: (183) والتقوى تعني أن تتقي عذاب الله بفعل ما أمر الله به من التوحيد والتوكل والإخلاص، وأداء الفرائض واجتناب الكبائر، ومجاهدة النفس على فعل الصالحات والبعد عن جميع السيئات، فعلى المسلم أن يسعى لتحقيق التقوى في حياته مستعينا بشهر الصبر شهر رمضان المبارك ، قال تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) سورة البقرة: (45) قال بعض المفسرين: المراد بالصبر هنا الصوم.
اللهم وفقنا لصيام رمضان وقيامه إيماناً واحتساباً،وتقبل ذلك منا، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، واغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا، ولكل ذي حق علينا وصل اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكل الشكر للزملاء في صحيفة نجران نيوز على نشرهم لهذا المقال.
د. عبد الواسع بن يحيى المعزبي الأزدي
عضو هيئة التدريس بجامعة نجران
“نجران نيوز”