عن الكاتب

بدأتُ قبل فترة رحلة بحث واستقصاء عن بئر حجرية مثمنة الأضلاع في موقع الأخدود الأثري. وصفها سيد الماحي بأنها مصنوعة من حجارة مقصبة تشكل تحفة هندسية غاية في الإتقان، ولكن دفنتها عوادي الزمان ولم يبقَ منها سوى عدة أمتار عليا. وهذه الأمتار العليا التي ذكرها الماحي قبل نصف قرن تقريباً أظنها انطمرت هي الأخرى.

.
اليوم أصبحت على يقين شبه تام بأن لا أحد يعرف مكان هذه البئر من الأهالي المجاورين للأخدود؛ لأنني سألت كثيرين من كبار السن وجميعهم لا يعرفون سوى البئر الشهيرة التي كانت قرب السدرة الشرقية والتي يعرفها الكثيرون.كذلك لا أظن بأن أحداً من مسئولي جهاز السياحة في المنطقة أو خارجها يعلمون
شيئاً عن موقع هذه البئر مثمنة الأضلاع؛ وإلّا لتم الإعلان عنها وأعيد ترميمها لأنها تشكل عنصراً هاماً من عناصر الموقع؛ فتصميمها الهندسي البديع يتسق مع الشكل العام لقلاع الأخدود الحجرية.

.
وفي النت لن تجد لها أثراً سوى عبارة غامضة تتناسخها الصحف،والمواقع،وحسابات التواصل الاجتماعي كما هي، وأحياناً يقدمون كلمة ويؤخرون أخرى وهي: “بئر مطمورة مثمنة الأضلاع تدل على الإتقان”.

.
بحثتُ لفترة طويلة عن هذه البئر في موقع الأخدود الذي تقدر مساحته بخمسة كيلومترات مربعة تقريباً؛ ولكني لم أجد لها أثراً في الموقع ولا خبراً خارجه. كان البحث شاقاً ولكنه شيّق وممتع..طبعا أقصد بالبحث بحث الزائر العادي المقتصر على المشاهدة العينية والملاحظة البديهية فقط. فمعلوم بأن التنقيب والبحث في المواقع الرسمية تحكمه أنظمة وقوانين نحترمها جميعاً.

.
وأخيراً اهتديت بتوفيق الله إلى شخص فاضل-أتحفظ على ذكر اسمه نزولاً عند رغبته-أخبرني بأنه وقف شخصياً على هذه البئر في صباه،ووصفها لي وحدد موقعها في مساحة لا تزيد على 300م مربع تقريباً.

.
هناك برامج بإمكان المسئولين في السياحة استخدامها لمسح الموقع جوياً أو أرضياً وبدقة عالية-ومن المؤكد بأنهم يعرفونها أكثر مني- ومنها تقنية الليدار التي يقال بأنها توقظ الحضارات القديمة،وتكشف معالمها تحت الأرض،وتفضح أسرارها من خلال نبضات ليزرية. وأظن هذه التقنية أصبحت أو ستصبح متوفرة في أجهزة الجوالات على ما قرأت.

.
نبذة عن تقنية الليدار

“عرف البشر تقنيات راسخة في عملية الاستشعار عن بعد هما الرادار الذي تستخدم فيه أمواج الراديو للاستشعار، وأيضاً السونار الذي تستخدم فيه الأمواج الصوتية، وبالتأكيد كانت هناك مسارات أساسية في عملية الاستكشاف تعجز عنها كلتا التقنيتين السابقتين.الليدار جاءت لتسدّ هذا الفراغ عبر استخدامها لأشعة الليزر، حيث تقوم الأجهزة التي تشكّل التقنية بعمليّة مسح جوّي لسطح الأرض بهدف الحصول على الإحداثيات ثلاثية الأبعاد لكلّ تفاصيل المنطقة الممسوحة كالأرض الطبيعية، والمباني، والأشجار وغيرها، ومن ثم القيام بدراسة المعطيات التي تقدمها عملية المسح، من أجل كشف تفاصيل الهدف، وقراءة أبعاده، وتقييم النتائج، بحسب السياق الذي تختص به الجهة التي تقوم بالعملية.يرتكز عمل التقنية على إرسال نبضات ليزرية من الجهاز إلى الهدف الذي تتم دراسته فيتم الاعتماد على حساب المسافة ما بينه وسطح الأرض من خلال معرفة زمني الإرسال والاستقبال لكل نبضة ليزرية. وتقوم هذه العملية عبر مجموعة من الأدوات تشكل بمجموعها جهاز الليدار، وهي: أداة قياس المسافات الليزري، والماسحة الضوئية (سكنر)، ووحدة المعالجة المركزية، وحاسوب مع برمجيات خاصة لمعالجة البيانات، وأقراص صلبة لتخزين البيانات، ترتبط كلها مع نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي أس)..
اكتشفت هذه التقنية عوالم مجهولة في الحضارات القديمة، وساهمت في توضيح أمكنة الآثار المندثرة، والتي عجز المنقّبون عن الوصول إليها، ففي منتصف شهر أغسطس الماضي تناقلت وكالات الأنباء أخبارا عن تمكن باحثين آثاريين من العثور على آثار لمستوطنة حضرية واسعة حول معابد أنغكور في الأدغال الكمبودية، من خلال مسح جوي ليداري، وبحسب عالم الآثار الأسترالي الذي يقود المسح الضوئي جواً فإن هذه التقنية غيرت قواعد اللعبة، إذ كشفت مسوحات الليزر لدينا عن مستوطنة مماثلة في الحجم للوس أنجلوس أو سيدني مع شكل حضري يشبه المدن منخفضة الكثافة في العالم المعاصر.هذا الاكتشاف لم يكن وحيداً في سياقه، إذ وردت الأنباء في أوقات متباعدة عن حصول أشياء مشابهة لهذه، مثل اكتشاف منجم للذهب في أسبانيا عمره 2000 عام، كان عامراً في زمن الإمبراطورية الرومانية، استطاعت الأقمار الاصطناعية تبيان موقعه تحت عدة أمتار أسفل سطح الأرض باستخدام تقنية الليدار، وأيضاً اكتشاف علماء لأسس مدينة “سيوداد بلانكا” والمعروفة باسم “المدينة البيضاء الذهبية” الأسطورية المفقودة في الغابات المطيرة في هندوراس”.
(صحيفة العرب).

.
أتمنى من فرع هيئة السياحة بنجران استخدام هذه التقنية لاكتشاف أسرار الأخدود وعناصره المطمورة في التراب؛ وشخصياً أعرض خدماتي ومعلوماتي للأخوة في الجهاز السياحي فيما يتعلق بالبئر مثمنة الأضلاع ويسعدني التعاون معهم متى ماطلبوا مني ذلك. فبالإضافة إلى أهمية البئر كمورد مائي لمدينة الأخدود التاريخية؛ إلّا أنني أعتقد بأن لشكلها المثمن رمزية دينية أو فلكية؛ فثماني الزوايا في بعض الثقافات الدينية ومنها المسيحية والإسلامية يرمز للخروج من المربع(اتجاهات الأرض الأربعة)إلى الدائرة(فسحة السماء وعالم الروح والريحان)!

.

أ. مشعل بن عبدالله

“نجران نيوز”

شارك هذا المقال

آخر الأخبار

بناءً على توجيه خادم الحرمين الشريفين .. يترأس سمو ولي العهد وفد المملكة المُشارك في القمة “الخليجية الأوروبية” المقرر عقدها غدًا في مدينة بروكسل

الثلاثاء, 15 أكتوبر, 2024

البرنامج الوطني للتنمية المجتمعية في المناطق يُطلق البوابة الإلكترونية للمستفيدين “تنمية+”

الثلاثاء, 15 أكتوبر, 2024

عقد جديد قد يدفع المصري محمد صلاح لإعادة حساباته

الثلاثاء, 15 أكتوبر, 2024

وزير التعليم ورئيس مجلس إدارة هيئة تقويم التعليم والتدريب يكرمان ٣٠٠ مدرسة كدفعة أولى حاصلة على التميّز المدرسي

الإثنين, 14 أكتوبر, 2024

مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية الثانية التي يسيّرها مركز الملك سلمان للإغاثة لمساعدة الشعب اللبناني الشقيق

الإثنين, 14 أكتوبر, 2024

ألبوم الصور

كتاب الرأي

مقالات أخرى للكاتب

اضف تعليقاً