المشهد الإخبارية

(1)  تعتبر (الثلاثيات) السردية إحدى النماذج الروائية المعاصرة والتي فتحت أفقاً سردياً لكتاب الرواية السعوديين كي يحذو حذوها، ويفيدوا من تقنياتها وجمالياتها، ويؤسسوا لتجاوزات إبداعية على مستوى اللغة والمضامين، ويحلقوا بها في آفاق متنامية متجددة.

يحضرني في هذا السياق، ثلاثية نجيب محفوظ والمعروفة بـ (ثلاثية القاهرة)، والتي تدور أحداثها في القاهرة بداية القرن العشرين من خلال عائلة السيد أحمد عبدالجواد/ الرجل الشرقي المتسلط وما يحمله من إسقاطات سياسية واجتماعية واقتصادية عبر ثلاثة أجيال من العائلة.

وكذلك تحضرني ثلاثية (بيروت مدينة العالم) للروائي ربيع جابر، ورصده للتحولات الإنثروبولوجية والامتدادات التوسعية والتطويرية لمدينة بيروت وتحول البساتين والمزارع والرقعات الخضراء حول بيروت إلى أحياء سكنية جديدة وتدخل ضمن الإطار الجغرافي لبيروت القديمة/ المتجددة. وكانت بطولة هذه الثلاثية للمهاجر الدمشقي عبدالجواد أحمد البارودي وتنقلاته في الأحياء السكنية الجديدة. ومن كل هذا يتضح الرصد التاريخي والاجتماعي لتنامي وتطور مدينة بيروت حضارياً وسياسياً.

ولا أنس – في هذا السياق – رواية العراقي عبدالله صبحي الموسومة بـ(ثلاثية بغداد) وبعدها الاجتماعي والتعالقات الداخلية كمكونات مكانية، والخارجية (بغداد – لندن)، وتأطير الهوية وتشظياتها عربياً ودولياً.

وعلى المستوى المحلي السعودي اشتهرت ثلاثية تركي الحمد (أطياف الأزقة المهجورة) والتي تناقش التحولات الاجتماعية لشخصية البطل/ هشام الصابر الشاب المتحمس الذي عايش كل الظروف وقساوتها ما بين ثلاث محطات رئيسية وفيها تأرخة لحقبة زمنية من الحياة في بلادنا السعودية ما بين الدمام (العدامة) والرياض (الشميسي) وجدة (الكراديب).

وفي هذا السياق تأتي رواية ثلاثية جديدة لشاب مبتدئ في كتابة هذا الفن الروائي (الثلاثية) وهو سلمان الطياري من محافظة خليص، والتي وسمها بعنوان: الثلاثية الصفرية. وهي تتحدث عن ثلاث شخصيات تتآزر وتتكامل لتشكل الثلاثية. فالشخصية الأولى هي للبطل كليوداس وحياته البطولية والفروسية في عالم من الخيال والفانتازية والشخصية الثانية للبطل كايزر (الفتى ذو العين الناعسة) الذي دخل مدينة الأدباء. والشخصية الثالثة لم تتضح بعد ضمن العمل الثالث الذي يعمل عليه!!

هذه الثلاثية تمثل الأبعاد الأسطورية والعجائبية والفانتازية المتأثرة بالروايات الأجنبية فيبدو أن المؤلف قارئ جيد في تخصصه اللغة والأدب الإنجليزي!!

*     *     *

(2)  وفي خضم هذه التقنية الروائية المعاصرة، تشكلت ثلاثية الروائي/ المبدع محمد آل سعد، والتي بدأها بـ رواية: العودة إلى قبالة الصادرة عام 1439هـ/2017م. وثناها برواية جيفرسون ستريت عام 1440هـ/2019م. وآخرها الثالثة التي نحن بصددها قوبالينو الصادرة هذا العام 1441هــ/2020م. ومما يلفت النظر النقدي أن الروائي آل سعد لم يشر في كل رواياته السابقة – كتابيا – إلى أنها تشكل ثلاثية روائية وإنما أسر بها إلى بعض محبيه – ومنهم أنا – لكننا نجد بعض الإلماحات الضمنية التي تحيل إلى هكذا معنى.

ففي الرواية الأولى: العودة إلى قبالة، يختمها بقوله:

“ماذا هناك؟!

أنا كالقيامة ذات يوم آت!!

….”

هذه النقاط فيها دلالة على أن الرواية لم تكتمل بعد وربما لها فصول وأجزاء إلحاقية!! وهذا النوع من النهايات المفتوحة التي يعمد إليها السارد والقاص(1).

وفي الرواية الثانية: جيفرسون ستريت، يفتتحها ومنذ الفصول الأولى بالإشارة إلى نفس الشخصيات والأبطال في رواية قبالة فراج وهراج، وفيها تقاطع وتكامل زمانياً ومكانياً وهذا تذكير وامتداد للرواية السابقة “مما يجعلنا أمام بنية روائية متكاملة تتشكل – حتى الآن – من جزئين بعنوانين مختلفين ولكن شخوصهما وأبطالهما لازالا يتقاسمان الأدوار ويتربعان على فضاءاتهما النصية والحكائية”(2).

ولكن أوضح إشارة ودلالة على تكامل الأعمال وأنها ثلاثية روائية ما جاء في رواية (قوبالينو) وعلى صفحة الإهداء:

“إلى قرائي الأعزاء

ابدؤوا بـ (قبالة)

ثم (جفرسون)

وانتهوا بـ (قوبالينو)

لتكمل لديكم الصورة” (ص 4).

هنا يتأكد القارئي/ الناقد أنه أمام عمل روائي داخل ضمن الثلاثيات الروائية، وعليه سنعتبر هذا ميثاقاً أدبياً بين المؤلف/ المبدع/ الروائي محمد آل سعد. وبين قرائه، ومن ثم معشر النقاد!! وبذلك ستكون مداخلتنا وفق هذا الميثاق الأخلاقي والأدبي إن شاء الله.

*     *     *

(3)  سبق وأن قرأت الجزئين السابقين من هذه الثلاثية، وقدمت عنهما قرائتين نقديتين(3) والآن تحيلنا الرواية الثالثة – التي نحن بصددها – إلى تلك الأجواء الفانتازية من خلال الفصل الأول والذي تتجلى فيه الفنيات والجماليات الأسلوبية، والجاذبية التشويقية وكأننا أمام صور ومشاهد درامية مثيرة استطاع الكاتب/ المؤلف أن يدخلنا إلى أجواء الرواية عبر أحداث واقعية تشهدها مطارات وأجواء العالم حيث سقوط الطائرات وتحطمها بفعل المناخات المتقلبة والرياح والعواصف العاتية أو الخلل الطارئ على الطائرات ويضيف عليها من خياله موقف البطل (فيرج) وجنيته (زخبيلة).

ومن خلال هذا المدخل الدرامي يجد القارئ/ الناقد أنه أمام ما يسمى نقدياً وأسلوبياً بـ (flashback) أي الاسترجاع حيث يعود بشخصياته إلى الوراء ليسترجع الأحداث والوقائع التي حدثت للبطل في الماضي حيث (قبالة) وما حولها وتأتي هذه المقاطع الاسترجاعية كخروج من حاضر النَّص إلى ماضويته(4). وهذا يجعلنا نصنف مراتب الاسترجاع في هذه الرواية إلى ثلاث ثيمات:

– استرجاع داخلي – وهو العودة بنا إلى أحداث سبق التعرض لها في الروايات السابقة.

– استرجاع خارجي – وهو إحلال الزمن التذكري لما يقرب الصور الحديثة من بعضها.

– استرجاع تكاملي وهو المزج بين الاسترجاعين الداخلي والخارجي، فنتلقى النَّص في جمالية تؤاخي بين الماضويات والراهنات.

وعبر هذه الثيمات الاسترجاعية وفضاءاتها كانت الرواية تسير في كثير من أبوابها (السبعة) وتفريعاتها (السباعية) على مستوى التكتيك والمضمون في (الماقبليات) أعني الأحداث الماضية حيث يسترجعها ويتذكرها أبطال الرواية وشخصياتها الرئيسيين أو الثانويين.

ومن ذلك مثلاً استرجاع المؤلف للأحداث والمواقف التي انتهت إليها روايته السابقة (جيفرسون ستريت) ص ص 7-10، لتكون مدخلاً لهذه الرواية الجديدة!!

ومن ذلك – أيضاً – ما جاء من تذكر البطل فيرج/ فراج لحياته الزوجية القديمة في مدينته قبالة: “ذهبت به الذاكرة بعيداً إلى مرابعه.. إلى مسقط رأسه، إلى قبالة وسكانها، تذكر زوجته هداية، تذكر ما بينهما من غرام….” (ص ص 44-45).

ومن ذلك أيضاً ما جاء من استرجاع للابنة (نيفين) عن حياتها مع أبيها السابقة: “عادت بها الذاكرة للوراء عشرات السنين تذكرت سجدته الطويلة.. تذكرت عندما كانت الأنوار مطفأة…..” (ص 78).

ومن ذلك – أيضاً – ما حصل لإحدى الشخصيات الرئيسية في الرواية وهو (هيرج/ هراج) الذي: “أخذته الذكريات إلى اللحظة التي رأى فيها الآنسة (سو) لأول مرة….” (ص 207).

والنماذج على هذه الاسترجاعات كثيرة جداً (ص 122، 124) و(ص ص 132-133) وغيرها من الآفاق الارتجاعية والتي تشكل دالة مائزة في هذا العمل الروائي، وعبر لغة وأسلوب ومعالجة تتوظف فيها المعلومات ضمن أفق الرواية وأبعادها الخيالية.

وبهذه الجمالية الأسلوبية ينطلق بنا الراوي/ العليم والرواية وأحداثها إلى مناطق جديدة من الأحداث التي تأخذ خطاً زمنياً متصاعداً فهذه طائرة (فيرج) في رحلتها إلى مطار سان جوان في بورتوريكو وأثناء هبوطها يحدث تغيراً مفاجئاً في طريق سيرها إذ يلتقي بطائرة الرئيس الكاريبي/ الباسيفيك ويحاول تفاديها ولكن يخرج عن مساره وتسقط الطائرة في إحدى الجزر القريبة من المطار (ص ص 7-11)، وما تلا ذلك السقوط من أحداث دراماتيكية توصل إلى الحدث المثير وهو تكريم الطيار البطل (فيرج) من قبل رئيس دولة الباسيفيك للدور البطولي الذي قام به وإنقاذ طيارة الرئيس من الاصطدام وإهدائه إحدى الجزر وتحويلها إلى متجع سياحي استثماري.

وكذلك حدث موت الوالدة (فضل) وسفر (فيرج) إلى (قبالة) لحضور الدفن والتشييع ولكنه تأخر عن ذلك فتألم وتأثر كثيرا، وبعدها لقاء زوجته (هداية) التي لم تعيره أدنى اهتمام وصدت عنه ولم تقابله وكأنها تطرده من حياتها فعاد متأثراً إلى أمريكا ووصوله إلى مطار سكاي هاير حزيناً مغموماً مهموماً (ص ص 114-130).

ولعل أهم الأحداث هو تحويل المنتجع السكني والاستثماري إلى مدينة حديثة وفيها معالم من قريته (قبالة) لتكون هي البديل النفسي والمعنوي، فبرؤيتها يظل الماضي حاضراً (ص ص 152-153) ولذلك سماها (قبالينو) ثم كان خياله يحثه على أن تكون دولة في المهجر وتحمل الرقم (212) لتنضم إلى الأمم المتحدة – كما جاء في آخر الرواية (ص ص 241-244) وص ص (261-262).

وعبر هذا الخط الزمني المتصاعد تتشكل أزمنة جانبية ومتقاطعة وأهمها: الزمن النفسي حيث نجد البطل (فيرج) يتراوح – روائياً – بين استرجاع ماضوي، واستشراف مستقبلي منذ بدء الرواية وحتى نهايتها فتراه تارة يستذكر (قبالة) وأحداثها، وتارة ينطلق إلى آماله الجديدة وشركته و(قوبالينو) المستقبل. وكذلك نجد (هيرج) و(نيفين) وغيرهم من الأبطال الثانويين يعيشون هذا الزمن النفسي حيث يتكئ الراوي العليم/ المؤلف على الوظيفة التقريرية/ الحكائية في كل مفاصل العمل الروائي واصفاً ومصوراً ومعللاً متأرجحاً بين ثلاثة فضاءات زمانية آني/ حاضر.. وماض/ مسترجع، ومستقبل/ مستَشرف وذلك عبر تداعيات الذاكرة والعلاقات الجدلية بين الأزمنة فلا يلمس القارئ أي احتكام للزمن النفسي الخاص لمعايير الزمن الموضوعية الخارجية وهذا يعني تكثيف تقنية الاسترجاع بوصفها ثيمة دلالية على الزمن النفسي حضوراً وهيمنة وتداخلاً.

*     *     *

(4)  وتتجمل هذه الرواية بأبعادها الفانتازية أو الأسطورية التي يوظفها الراوي العليم/ المؤلف في كثير من منافذ هذه الرواية. فمن البداية نجد (الجنيَّة زخبيلة) تتربع على الأحداث الروائية، ويكون لها بصمتها في كل منعطفاتها الحادة فهاهي تتواجد أثناء سقوط طائرة (فيرج) في إحدى الجزر بالبحر الكاريبي ” لم يكن الكابتن (فيرج) يتصرف بمفرده، كانت جنيته زخبيلة إلى يساره، لقد كانت توجهه بالالتفاف يميناً وشمالاً لتلافي اصطدام الأجنحة بالأشجار…” ص9. وفي موقع آخر نجد هذه الزخبيلة “على الزجاجة اليسرى للقمرة كانت تقف جنيته زخبيلة وكأنها تلف طفلها المدلل الكابتن (فيرج) بجناحيها. التفت إليها الكابتن (فيرج) ولم يعد يرى شيئاً سواها” (ص 10).

وتستمر هذه الأسطرة طوال الرواية، حيث يبين لنا الراوي العليم/ المؤلف الدور الذي تقوم به هذه الجنيَّة في حياة البطل (فيرج) أربعة مظاهر وهي:

(1) المساعدة في المواقف الصعبة.

(2) الحفاظ عليه من أي سوء يواجهه.

(3) الإخبار بشيء من الغيبيات والمستقبليات.

(4) تقريب المسافات وفك الحجب والتواصل التلباثي(5)!!

وكل هذه صور من الخيالات والأساطير التي يوظفها الروائيون لمزيد من العجائبية والغرائبية والتشويق القرائي.

ولعل أفضل مقطع يمثل هذه الأسطرة ما جاء على الصفحات (14-20) حيث نجد (الجنية زخبيلة) وهي مع (فيرج) في أزمته ومحاولاتها إنقاذه وتخفيف مصابه وتطمينه على ابنتيه (نيفين وفيدل) وإخراجه من غيبوبته!! وكل ذلك في لغة روائية جاذبة وحدث روائي يقربنا من الأساطير المعروفة في تراثنا الأدبي.

ومن نماذج الأسطرة والفانتازيا التي نجدها في هذه الرواية موضوع (السِّبحة) التي أهديت للبطل (فيرج/ فراج) من أمه (فضل) ذات يوم وهي تقول: إياك أن يفرق بينك وبينها أحد حتى الموت”(*) وفعلاً، فقد أصبحت “رفيقة دربه.. ويلفَّها حول معصمه” (ص 21). وكانت معه أثناء هذه الرحلة المشئومة، فعندما سقطت الطائرة وحاول الركاب الخروج منها قبل اشتعالها، وكانت (السبحة) من أهم المقتنيات الثمينة التي يلفها (فيرج) في معصمه وفي أثناء غيبوبته “شعر بذلك الشيء الذي كان ينسل من معصمه وكأن أحداً استله من معصمه استلالاً شعر بذلك ولكنه لم يكن يدرك أنها السبحة…” (ص 22) – بينما هو في هذه الحالة رأى أمه – التي أهدته هذه السبحة “تصرخ بصوت مبحوح… لا سبحة! لا فسحة لا لقاء! لابقاء!” (ص22).

وفي المشفى حيث يتعالج (فيرج) مع المصابين من حادث الطائرة تحسس معصمه فلم يجد السبحة وقام مذعوراً يسأل عنها ويريد الخروج إلى موقع الطائرة للبحث، ولكن (زخبيلة) تزوره وتخفف عليه المسألة (ص ص 35-36).

ثم تغيب قضية (السبحة) في منعطفات الرواية وتصاعدها الدرامي حتى نجدها في الصفحة 124-125 عندما تذكرت قول الأم (فضل) أن حادثة الثعبان القديمة حصلت لأنه لم يحمل السبحة معه فلدغه  الثعبان!! أي أن السبحة كان لها دور في تداعيات الأحداث وهذا استرجاع لما قبل في رواية العودة إلى قبالة (ص 125). لكن الذي يتضح نقدياً أن (السبحة) ليست إلا إحدى إفرازات الجنية زخبيلة، وليس لها دور كبير في جل الأحداث والمشكلات التي يمر بها (فيرج/ فراج)، وما هي إلا (تميمة) تحمل ذكريات الوالدة (فضل) التي أهدته إياها وأوصته بالمحافظة عليها!! وهذا ما أكدته الرواية حيث نجد فيها استرجاع لحادثة مضت – في رواية العودة إلى قبالة عبر هذه الحوارية:

– “فراج أين سبحتك؟

–  معي يا أمي لا تخافي!

– انتبه عليها (كانت تعتقد أن تلك السبحة هي تميمته في كل شدة، فإن هو فقدها يتعرض لسوء الطالع).

– حاضر يا أمي.. في أمان الله”(6).

وتتنامى الأسطرة في هذه الرواية عبر مواقف عجائبية أسطورية ولها تعالق مع (الجنية زخبيلة) ورفيقاتها من الجان!! فهاهو (فيرج) في لقاء جانبي مع زميله (هيرج) ويتحادثان حول هدية الرئيس الباسيفيكي والجزيرة/ المنتجع “وإذا بالكابتن فيرج ينظر إلى زاوية السقف…” ص 109 ويدخل في حوار مع إحدى الجنيات مرسولة من (زخبيلة) لتنقل خبر مرض والدة (فيرج) وضرورة السفر إلى (قبالة)!! وما يحصل لـ(فيرج) وقتها فقد “حدثت عاصفة في المكان، طارت على إثرها محتويات المكتب كلها” ص111. وكل هذا من فعل حضور الجنية الجديدة المرسلة من (زخبيلة)!! ويتضح هنا أن (زخبيلة) “مسجونة لدى ملك الجن دون أن تخبره بالذنب الذي اقترفته أو المدة التي ستقضيها في السجن. اعتبر ذلك جميلاً كبيراً من زخبيلة. حدث نفسه: “حتى وهي في السجن لم تنسني ولم تتخل عنِّي لله درك يا زخبيلة يا أمي الجنيَّة” ص112.

ومن تلك المواقف العجائبية/ الأسطورية ما حصل لـ(فيرج) وهو في قاعة السينما لمشاهدة فيلم (قوبالينو) فبدأت حالة/ فيرج تتغير ولغته تزداد حدة وصوته يعلو ويرتفع على رفيقه (هيرج) معلناً عودته إلى قبالة مهما كان الثمن وفي مشهد درامي يصوره الراوي العليم:

“يعلق فراج معطفه على إصبعه السبابة من فوق كتفه الأيمن ساحباً إياه إلى الخلف، ليغطي الجانب الأيمن من ظهره، وكأن ذلك الظهر يستعد لأعباء قادمة أو  الصعود إلى بقاء سرمدي…” (ص260).

“خرج (فراج) من بينهم مسرعاً بعد أن قطع حديثه فجأة وإذا بإعصار قادم من الناحية الشرقية للمكان أخذ ذلك الإعصار يلتف حول نفسه عدة مرات حتى رأى الناس أن النار تتصاعد من داخله. انطلق فراج إلى قلب العاصفة المتصاعد إلى السماء.

(.) نقطة في نهاية السطر:

عثر بعد تلك الحادثة على قطعة جلد نقشت عليها عبارة مشفرة، كان (فراج) قد خبأها في منزله الخاص في (قوبالينو) داخل جدار، خلف صورة والدته، وبعد فك الشفرة من قبل خبراء الشفرات وجدوه قد كتب:

“أقيمت دولتكم (قوبالينو) واجعلوا مني ومن (هراج) نبراساً لكم. أنا (فراج القبالي)، وقد تحمل دولتكم الرقم (212) في هيئة الأمم المتحدة إن كانت باقية بعد أن تحققوا ملكية المكان” (ص ص 260-262).

وهكذا عشنا مع الأجواء  العجائبية والأسطورية التي تخلقت على يد الراوي العليم/ المؤلف، لتعطي للرواية مذاقاً وبعداً أسطورياً موازياً للزمن التصاعدي الروائي، والأحداث المتعاقبة ضمن آليات الزمن الاسترجاعي وثيماته الأسلوبية.

*     *     *

(5)  ومن الجماليات الحيوية في هذا العمل الروائي، يقف القارئ/ الناقد عند جمالية التناصات الواقعية، ذلك البعد الأسلوبي واللغوي الذي يجعلنا نستذكر نصوصاً سابقة أو أفكاراً مماثلة، أو معاني متداخلة أو نعيش مع قضايا إعلامية وسياسية واقتصادية واقعية مما يشير ويدل على ثقافة المؤلف/ الراوي العليم، وتماهيه مع الواقع المعاصر، وراهنيته!! والقدرة على البناء الروائي التخييلي وتجميله بشيء من الواقع المعاش للقارئ والمتلقي.

ومن ذلك، استلهام المؤلف/ الراوي العليم لحوادث الطيران والطائرات والعوالم الفضائية التي تحيط بالحوادث الواقعية وما يقوم به ملاحو الطائرات والكابتن والمساعدين والمنقذين والمراقبين الجويين ورجال الإنقاذ والصندوق الأسود ولوحة المعلومات والأجهزة الملاحية في قمرة القيادة (الداشبورد) (ص ص 7-10، ص 39). وهذا هو التناص مع واقع الطيران والطائرات!!

ومن ذلك أيضاً التناص الجغرافي والبيئي والسياسي الذي نعرفه في الواقع وينقله لنا المبدع الروائي حيث قام المؤلف الراوي العليم باختيار جزر الكاريبي وإحدى دول الباسيفيك في أمريكا الجنوبية والمطلة على المحيط الهادي، وجزيرة مونا / إحدى جزر بورتريكا وجاهزيتها السياحية (ص 7 وما بعدها، ص 157).

وكذلك الإشارة إلى مثلث برمودا والأعاصير التي تسقط الطائرات ص 115، ص ص 223-227).

وفي هذا السياق نجد التناص مع الوقائع السياسية المعاصرة في أمريكا حيث “مراسم تنصيب الرئيس ترامب رئيساً لأمريكا في 20 يناير 2017م) ص 200، وصراع الأحزاب الأمريكية للوصول إلى سدة الرئاسة في البيت الأبيض حيث نجد شعاري الفيل = الحزب الديمقراطي، الحمار = الحزب الجمهوري (ص 202، ص257) وهنا نلاحظ القدرة التخييلية للروائي حيث يتخذ من هذا الواقع قناعاً تناصياً في صيغ أسلوبية فاتنة. فهذا اسم الشركة التي أسسها فيرج وهيرج تحمل أول حرفيهما (F.H) وهما نفس الحرفين العربيين لشعار الحزبين الأمريكيين (ف–ح)!!

كما نجد التناص التاريخي، حيث الإشارات إلى الأندلس وكيف كون العرب والمسلمون حضارتهم فيها وما يمكن أن يقوم به فراج القبالي وهراج القبالي في جزيرتهم (قوبالينو) عندما تصبح دولة عربية في المهجر (ص 152/153).

أضف إلى ذلك حديث البطل (فيرج) عن الكتابة التأريخية وأنها رهن للأهواء “يكتبه من يكتبه ويمليه من يمليه، ثم يأتي مغفل بعد مئات السنين يقرؤه ويدرسه لغيره دون تمحيص أو تدقيق وكان بإمكانه أن يقارن بالموجودات والشواهد على الأرض..” (ص260-261).

ومن التناصات/ الواقعية اللافتة للنظر النقدي تلك التناصات الأدبية سواء النثرية/ أمثال وحكم ومقولات فلسفية، أو الشعرية/ بجميع أقسامها الفصحوية، والشعبية/ المحكية، والغنائية والنماذج في هذا السياق أكثر من أن نحصرها، ولكن نشير إلى أهمها.

فمثلاً في التناصات الشعرية: إعادته لشطر من قصيدة فصيحة للشاعر النجراني مهذل الصقور، “أنا كالقيامة ذات يوم آت” ص 16 وص 260، أو البيت المشهور لمحمد صادق الرافعي:

“ولا خير فيمن لا يحب بلاده      ولا في حليف الحب إن لم يتيم”

(ص 260).

وهناك تناص شعري من نوع آخر، حيث نجد الكاتب/ المؤلف يعلن عن نهاية الرواية بقوله:

“(.) في نهاية السطر:” وهذا تناص مع عنوان ديوان شعري يحمل نفس الجملة، وهو قصيدة داخلية في الديوان وبنفس المسمى: (.) نقطة في آخر السطر… وبعدها (،)!! والديوان صدر في طبعته الأولى عام 1438هـ/2016م لكاتب هذه السطور د. يوسف العارف!!

ومن تناصات الشعر الشعبي المحكي قول أحد الشعراء:

“خوينا ما نصلبه بالمصاليب        ولا يشتكي منا دروب العزاري”

(ص 19).

وقول أحدهم – أيضاً –:

“الله ما أحلى لثغة السين بشفاك      توي فطنتــه يـــــــوم صــــــارت قريبـــــه

إذا همست تدغدغ القلب بحكاك      وإذا حطيت أنسى ما كنت أحكي به”

وفي التناصات الغنائية نجد الراوي العليم، يذكرنا بأغنية (ست الحبايب) للفنانة فايزة أحمد (ص 134)، وأغنية الفنان طلال مداح (ماتقول لنا صاحب)، وأغنية الفنان محمد عبده (يا غالي الأثمان) (ص 178)، والفنان خالد عبدالرحمن: (أبصم لك على العشرة) (ص 193).

كما يذكرنا بإحدى الشيلات الغنائية الشعبية التي كتب كلماتها الشاعر محمد بن جمشان آل الشهي، وغناها المنشد منصور الوايلي:

“يا عيون الحر فرخ النداوي        لا تورد ني حياض المنيَّــــه

للرموش السود مانيب قاوي       لي رمتني دون ذنب وخطيـه

والله انه طاوي الحال طاوي      ساهر جفني وعيني شقيـــــــــه”

(ص 193)

أما التناصات النثرية فنجد العبارة الشهيرة التي كان البطل (فيرج) يكررها على مسامع ابنته (فيدل) وهي قوله:

إذا أتتك مصيبة يابنتي فانتظري الأخرى

   فالأولى إنذار والثانية اختبار، لذلك

      اصمدي” (ص 83).

كما نجد المثل المعروف: “ويا صبر نجد على أهله” (ص 113) والرؤية الفلسفية التي تقول: “الرجوع في المعلوم خير من المضيُّ في المجهول” (ص 225). وكذلك المثل المعروف: “رب أخ لم تلده أمك” (ص 236).

وفي التناصات النحوية نجد قوله: “كان – وكان فعل ماضي ناقص – أبوك ناقص لا تجيبين طاريه (ص 140).

وهكذا كانت التناصات/ الواقعية في المجال الأدبي مثرية للعمل الروائي، وتعطيه آفاقاً معرفية وأسلوبية جاذبة ومشوقة لأنها تستلهم الواقع التراثي والأدبي زمنياً ومكانياً.

وفي هذا السياق تأتي التناصات الدينية التي تذكرنا بنصوص قرآنية، أو مواقف دينية وإسلامية، أو أدعية وإيمانيات أو فضاءات روحانية ووجدانيات عرفانية. ومن ذلك مثلاً:

– الفضل في ذلك من الله جل وعلا                                      ص 29.

– الله يسعدك أينما ذهبت                                              ص 88.

– الصدقة وبناء مبرة عن الأم ومركزاً خيرياً ومسجداً.

– إقامة العزاء وتلاوة القرآن على روح الوالدة في المركز الإسلامي      ص 130.

– الله وعد إن مع العسر يسراً لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم             ص 235.

– ابيضت عيناي… فقد.. وقصة يعقوب عليه السلام مع ابنه يوسف     ص 248.

– لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً                                          ص 248.

وهذا النوع من التناصات/ الواقعية يضفي على النص الروائي مزيداً من الأدلجة التي تؤطر الأحداث والشخصيات وتصيغها بصيغة أيديولوجية لا تخفى على القارئ والناقد والمتابع.

ولعل الدهشة التناصية تبلغ منتهاها، عندما نجد التوحد الإيحائي والتميز الدال بين بطل الرواية (فيرج/ فراج) وكاتب/ مؤلف الرواية (محمد آل سعد) وذلك في المقاطجع الأخيرة من الفصل السابع أعني من 1-7، (ص ص 252-260) ففيها نجد الراوي العليم/ المؤلف يوصلنا – بلا مقدمات – إلى حدث أدبي وروائي يصل إليه (فبرج فراج) بطل الرواية الرئيس بأنه يتفرغ من كل أعماله في شركة الطيران، وخبراته في هذا المجال، ليصبح كاتباً روائياً، ويكتب رواية باسم (قوبالينو) بالعربية ثم يعهد إلى صديقه الأمريكي هوين مايكل بترجمتها للإنجليزية، وفعلاً يتفرغ لمدة ثلاثة أشهر لينجز الرواية (QUBALINO) حسب هيكلتها السردية التي وضعها بالتعاون مع (أحد الأدباء المبرزين) ويطبع منها ثلاث طبعات في غضون خمسة أشهر، وبدأت دور النشر العالمية تطلبها للترجمة إلى لغات أجنبية أخرى (عربية – فرنسية – أسبانية – ألمانية – برتغالية). ثم تحولت – فيما بعد – إلى فيلم سينمائي. وتمكن الكاتب فيرج وأصدقاءه وأبناءه، حضور العرض الأول للفيلم. لتنتهي الرواية فعلاً بهذا المشهد الذي يمثل لقطة ذكية من المؤلف الحقيقي (آل سعد) الذي يشير إلى هذه الأبعاد الحلميَّة المتوقعة والتي جاءت فعلاً في النص الروائي الذي كتبه البطل (فيرج/ فراج) القبالي!! وكأنه يتحدث عن نفسه وفلسفته عن الفن الروائي وآلياته وطقوسه الكتابية والتي يمكن إيجازها كما وردت على لسان البطل (فيراج) = (المؤلف محمد أل سعد) فيما يلي:

“- يتفرغ لكتابة الرواية (قوبالينو) بالعربية وصديقه يقوم بترجمتها إلى الإنجليزية.

– يريد أن يخلد شيئاً من حياته للزمن.

– الرواية هي أفضل وسيلة لتحقيق هذه الغاية.

– العمل الروائي يجد فيه الحرية الكافية يدون ما يريد من عواطف وأفكار وأحداث ومشاعر وتوقعات وآمال دون محاسبة من أحد وفعلاً، هذه الحيثيات والسيناريوهات التي تحققت للبطل (فيرج/ فراج) تحيلنا إلى أحلام وخطط المؤلف نفسه (الدكتور محمد آل سعد)!! وكانت قناعاً روائياً متعدد الوجهات!!

– العمل الأدبي الروائي – كما يرى الكابتن (فيرج) والمؤلف (د. آل سعد) لا يحتاج إلى مراجع تدون ولا مصادر توثق ولا إلى إثبات حقوق الملكية الفكرية.

– العمل الروائي يحتاج إلى إطلاق العنان للخيال يجوب الديار من قبالة إلى قوبالينو مروراً بولاية أريزونا”   (ص 252).

ثم يشير المؤلف/ على لسان البطل (فيرج) بعض الآليات الروائية:

“- وضع هيكل سردي بالتعاون مع أحد الأدباء المبرزين.

– يشارك في العمل أربعة [المؤلف – المترجم – الأديب البارز – الكابتن (هيرج)].

– يفترض كتابة أسمائهم على هذا العمل الجماعي، ولكنهم يرفضون “واعتبروه دعماً لوجستياً للكاتب”.

– أنجزت النسخة العربية مع الإنجليزية وتمت الطباعة وعرضت في معرض الكتاب وانتشرت بلغات أجنبية وتحولت إلى عمل سينمائي”   (ص ص 253-254).

وهذه الفكرة/ اللقطة المعبرة والجميلة تتناص مع كثير من الأعمال الروائية والقصصية التي يتهرب مؤلفوها (روائياً) في اعترافهم بتأليفها مورطين أحد أبطال القصة أو الرواية بذلك العمل الأدبي وهذا ما أسميته ذات دراسة نقدية (محاولة المؤلف التخحلص من نسبة العمل إليه وإحالته إلى شخصية ساردة أخرى. وما هو إلا ناقل أو محرر أو كاتب بالنيابة”(7).

وهنا تحضرني رواية (الشبُّورة) للأديب الروائي أحمد الشدوي الذي أخذنا في افتتاحية روايته إلى سوريا ثم لبنان حيث ذلك الشخص السعودي المجنون الذي دارت به الدنيا وهو يحمل مذكراته عن رحلة قام بها إلى القاهرة من زمن بعيد ويريد نشرها. فطلب من هذا الكاتب/ أحمد الشدوي أن يعيد صياغتها دون تحريف ونشرها. وفي الفندق فتح الأوراق المذكرات وقرأها وهاهو يعيد نشرها نيابة عن صاحبها(8).

ومن خلال هذه التناصات، وقربها من الواقع الذي تحيلنا إليه الرواية يجعلنا نؤكد القدرة الروائية والإبداعية لصاحبنا المؤلف/ السارد/ الراوي العليم د. محمد آل سعد في استثمار البعد الواقعي وإمداد النَّص بما يجعله أكثر إقناعاً وذلك في تبادلية أسلوبية وفكرية تجعل من الواقع النَّصي وثيقة لها جمالياتها.

ولهذا وجدنا في الرواية (قبالينو) تناصات واقعية، أو بمعنى آخر أحداث وفضاءات من الواقع تحولت بفعل التناص إلى معيارية حاكمة لمنطق الصورة الروائية. وذلك يعني أن الواقع قد فرض نفسه على النَّص الروائي بوصفه قناعاً. (كما يقول الدكتور مصطفى الضبع)(9)!!

*     *     *

(6)  وقبل أن نختم هذه المقاربة لابد من الإشارة إلى ثيمتين رقميتين جماليتين وظفهما المؤلف/ الراوي في هذا العمل، وأولها: الرقم (212) التي كررها الراوي العليم/ المؤلف في عدة مواضع:

– صفحة العنوان الفرعي (212) الداخلية.

– صفحة العنوان الرئيس (212) الداخلية.

– صفحة 64 (212) يوماً لتنفيذ المشروع.

– صفحة 76 رحلة الطيران رقم (212 FH).؟

– صفحة 262 وقد تحمل دولتكم الرقم (212) في هيئة الأمم.

ومع كل هذه التكرارات في مواضع ومواقع عدة من الرواية، إلا أن الغلاف الخارجي يخلو من هذا الرقم (212). مما يثير تساؤلاً بحجم جماليات هذه الثيمة الروائية؟!

وهنا تتضح الصنعة الروائية أو لعبة الحكي – كما أسميها نقدياً – وهو وعي ذهني مقصود من المبدع فاختيار هذا الرقم منذ بداية الرواية يشي بهذا الوعي الذهني، ومشروع المنتجع المُهدَى للبطل (فيرج) من رئيس دولة الباسيفيك يحتاج إلى (212 يوماً) لإنجازه وتحويله من مخططات إلى واقع (ص 64)، والأمل والوصية التي كتبها (فيرج) ووضعها في جدار منزله خلف صورة والدته يطلب من قرائها أن تكون هذه الجزيرة/ المنتجع مستقلة وتنضم لهيئة الأمم المتحدة برقم (212)!! (ص ص 261-261).

ولعل هذا الرقم (روائياً) يشي باستشراف مستقبلي ليس إلاَّ، لأن واقع الأمم المتحدة يشير إلى أن عدد الدول الأعضاء يتراوح بين 193-196 دولة فقط.

وأما الرقم الثاني في هذا السياق فهو الرقم (10) ليشكل لنا – وللقراء – ثيمة جمالية أخرى، فقد ذكر هذا الرقم في الرواية عبر صيغ وأساليب وأحداث كثيرة، فمثلاً:

“- في الساعة العاشرة من صباح اليوم العاشر من الشهر العاشر (ص 7).

– حوار الجنية زخبيلة مع البطل (فيرج) حول هذا الرقم: “كم مرة حذرتك من هذا الرقم؟

– أي رقم؟

–  الرقم (10).

– كم تاريخ اليوم؟

– اليوم العاشر من الشهر العاشر. (ص 32-33).

– أخبرني عن سر هذا الرقم وما يفعل بي؟

ذهبت (زخبيلة) ولم تخبره عن سر الرقم (10).

– لم يغب عنه هاجس الرقم (10) وأخذ يتساءل في نفسه: ما سر هذا الرقم؟! (ص32-33).

– دخول (فيرج) إلى مشفى المجانين وقوله: يالسوء الحظ… أم هي لعنة الرقم (10)؟! (ص49).

ورغم هذا الإيراد الروائي للرقم (10)، لكن المؤلف – والرواية – جعلت القارئ معلقاً لا يصل إلى نتيجة ولذلك فالقارئ والناقد سيمضيان مع البطل (فيرج) ويصرفان النظر عن ذلك الأمر “وتركه للزمن فربما يكشفه لنا دون عناء ومشقة البحث” ص34.

والجدير بالذكر هنا أن هذه الثيمة الرقمية إحدى جماليات العمل الروائي في بعده (الثلاثي كرواية متكاملة ضمن الثلاثية التي يمكن إسنادها الآن لمؤلفها ونقول ثلاثية الدكتور محمد آل سعد الروائية!!

وقد أشرت إليها وإلى تحليلها في قراءاتي السابقة عن روايتي قبالة، وجيفرسون ستريت(10).

*     *     *

(7)  … وبعد هذه السياحة الماتعة في ربوع الرواية وعتباتها وجمالياتها وعجائبياتها، يتأكد لنا أن المؤلف/ العليم وصل إلى بر الأمان بهذا الجزء الأخير من ثلاثيته الروائية، محققاً أنموذجه السردي، وهيكلته الأولية عبر خطاطة توثق كل منحنيات العمل الروائي من أحداث تتصاعد وتتنامى زماناً ومكاناً. ومن شخصيات وأبطال رئيسين وثانويين، وكل ذلك عبر لغة وأسلوب تتنامى على لسان الأبطال والشخصيات أو على لسان الراوي العليم.

ولعل الأفق الاسترجاعي يحيط بهذا الجزء الروائي من كل جوانبه واتجاهاته. مما يؤكد قيمة العنوان الذي اخترناه لهذه المقاربة النقدية.

والحمد لله رب العالمين.

وكان ختم هذه المقاربة مساء يوم الأحد 26/8/1441هـ

بدارتنا بحي النعيم بجدة، في زمن العزلة والحظر الكوروني

رفع الله ما بنا وحمانا وأيد حكومتنا لمقاومة هذه الحرب

الخفيَّة/ الكونية!! وروجع مساء الاثنين 27/8/1441ه

الهوامش

 

(1)  انظر الرواية المذكورة، ص 190. وانظر قراءتنا النقدية لها في كتابنا: احتمالات المطر وانثيالات السراب، ط1، نادي الجوف الأدبي، 1441هـ، ص 61.

(2)  نفس المرجع، ص 22.

(3)  انظر كتابنا: احتمالات المطر…. ص ص 19-66.

(4)  انظر ص 16 وما قبلها من الرواية، ص 80، ص 123، ص 125.

(5)  انظر ص ص 16-19، ص ص 25-26، ص ص 32-35، ص 42، ص 50-53، ص ص 60-61، ص87، صص105-106، ص 110، ص 112، ص 114.

(*)  انظر رواية: العودة إلى قبالة”، ص 189.

(6)  راجع رواية: العودة إلى قبالة، ص 141، ورواية قبالينو ص 133).

(7)  انظر تحليلنا لرواية الشابورة للروائي أحمد الشدوي، ص ص 67-73، من كتابنا النقدي، احتمالات المطر… سبق ذكره.

(8)  نفس المرجع، ص 72.

(9)  الشبكة العنكبوتية: موقع الكتابة الثقافي. دراسة بعنوان: الواقع وأقنعته في الرواية العربية، يناير 2019م.

(10)  انظر كتابنا: احتمالات المطر….، ص ص 25-27، وص ص 59-60.

 

 

 

شارك هذا الخبر

آخر الأخبار

سجناء في فنزويلا حفروا نفقاً لمدة سنة ونصف للهرب.. وفي النهاية كانت المفاجأة!

الخميس, 25 أبريل, 2024

بيان من الديوان الملكي: غادر خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة بعد أن استكمل الفحوصات الروتينية

الأربعاء, 24 أبريل, 2024

تُعد نقلة نوعية غير مسبوقة في قطاع الطيران عالمياً وتربط رحلة الضيف بكافة أنشطة السفر : “السعودية” تدشن النسخة التجريبية لأحدث خدماتها الرقمية المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي

الأربعاء, 24 أبريل, 2024

النائب العام يُقرّ إنشاء مركز برنامج حماية المبلغين والشهود والخبراء والضحايا

الأربعاء, 24 أبريل, 2024

“البيئة” تُطلق مسابقة لهواة التصوير لاختيار أجمل الصور والفيديوهات لبيئة المملكة المحلية

الإثنين, 22 أبريل, 2024

ألبوم الصور

كتاب الرأي

تعليق واحد

  1. س ديسمبر 21, 2021 في 8:17 م - الرد

    فضلا من الناقد؟
    أحتاج للتواصل معهز

اضف تعليقاً

أخبار ذات صلة